يشتكي الطفل يزن سامح (7 أعوام)، من عدم قدرته على مجاراة المعلمة في كتابة الدروس على الصبورة، ومن ثم تقوم بمسحها بين الفنية والأخرى من أجل شرح الدرس التالي. ترقرقت دموع الطفل وهو يشرح تفاصيل معاناته: "لقد أخبرت معلمتي أكثر من مرة أني بحاجة للمزيد من الوقت حتى أقوم بكتابة الدرس، وهي في كل مرة تخبرني أن علي أن أكون سريعاً في الكتابة، ولا تستجيب لطلبي".
رندة والدة الطفل يزن، القاطنة في مدينة غزة، قالت إنها فضلت مراجعة المعلمة بشأن شكوى طفلها، وكان ردّها "هو ما فيه غير يزن بالصف"، في إشارة إلى أنها لن تلتفت إلى شكواه.
وأضافت رندة (36 عاماً): "لقد وقع خلاف بيني وبين معلمة يزن بسبب رفضها التام مراعاة بطئه في الكتابة، ونتيجة لذلك توجهت إلى إدارة المدرسة وأثرت مناقشتها في الأمر، وهذا النقاش قاد إلى نقل طفلي إلى مدرسة أخرى لدى معلماتها القدرة على التعامل مع ظرفه".
وبحسب اخصائيين تربويين فإنّ هذه المرحلة العمرية حساسة جداً لأنها مرحلة تأسيسية يصقل فيها شخصية الطفل من الناحية العلمية والتربوية، ومن الأصل أن يكون فيها المعلم/ة مراع/ية لظروفه ولحداثة سنه وقدرته على التعامل مع الكتابة وتحفيزه على النشاط والاجتهاد.
وقد تُنذر هذه الشكوى التي قدّمها الطفل يزن ووالدته، بخطورة كبيرة على شريحة واسعة من الأطفال في ذات المرحلة العمرية (المرحلة الابتدائية)، علماً أنّ أحد الأطفال الذين التقيناهم في سياق إعداد هذا التقرير، تبين أنه عزف عن الذهاب للمدرسة وأصبح يتمارض ويتصنع الأعذار من أجل التهرب من الدوام المدرسي، كما أفادت أمه.
وينصّ قانون الطفل الفلسطيني رقم (7) لسنة 2004م، في المادة (37) على أهمية أن تتخذ الدولة جميع التدابير المناسبة لمنع التسرب المبكر للأطفال من المدارس.
ومن الواضح أنّ تجاهل حقوق الطلبة في التعليم المناسب ومراعاة قدراتهم التعليمية، سيشكِّل خرق لهذا البند القانوني الذي يمنع التسرب المدرسي. وشهدت سنة 2021 أعلى نسبة تسربًا مدرسيًا مقارنة بالأربع سنوات السابقة.
ويبدو جليّاً، أنّ العديد من أُسر الطلبة المسجلين في مدارس الوكالة الأممية (الأونروا) على وجه الخصوص، يواجهون تحدّيات كبيرة، بسبب العبء الدراسي الكبير المُلقى عليهم من قبل المدرسة، وبخاصّة عندما يكون أكثر من طالب داخل الأسرة الواحدة منخرط في مدارس "أونروا"، والتي تقول الأمهات إنّها تُرهِق كاهل الأطفال بالواجبات ولا يمكنهم ملاحقة هذا الكمّ الدراسي اليومي الهائل المُلقى على عاتق الأبناء، خلال ساعات الدوام المدرسي، أو التكليفات التي ترِد عبر مجموعات التواصل الاجتماعي.
في سياق مواجهة أعباء الدراسة، يلتحق بعض الطلبة من ميسوري الحال بالمراكز التعليمية (الدروس الخصوصية) وذلك من أجل التخفيف من العبء الدراسي المُلقى على كاهل الأم.
ندى محمود (12 أعوامًا) طالبة في إحدى مدارس الأونروا الواقعة إلى الغرب من مدينة غزة، ظفرت بفرصة الالتحاق بالمركز التعليمي، لكنها تشكو من حجم العبء الملقى على كاهلها، إذ تُغادر مدرستها مع انتهاء الدوام متجهة إلى المركز بغرض الحصول على الدرس الخصوصي اليومي.
تجلس ندى على مقعد خشبي ذي لون زهري داخل المركز التعليمي، وبجانبها مقعدًا فارغًا استثمرته بوضع حقيبتها المتخمة بالكتب عليه، فيما تقول إنها تعجز عن حملها في بعض الأحيان.
تتهكم الطالبة زينة التي تزين شعرها بضفيرتين، على واقعها التعليمي قائلةً: "أنا أحمل الحقيبة مثل العتال، ونتلقى التعليم في فصل كعلبة سردين".
وتقول والدة الطفلة ندى: "زخامة المنهج والاعتماد بشكل كبير علينا نحن الأمهات من قبل المدرسين جعلت متابعة أطفالي أمرًا في غاية الصعوبة". معبرةً عن استيائها حيال النظام التعليمي.
ومما يزيد الطين بلّة على طلبة المدارس وبخاصة في المرحلتين الابتدائية والإعدادية، أن هناك تكدساً ملحوظًا داخل الفصول الدراسية بما يتجاوز عدد طلبة الفصل الواحد 45 طالبا وطالبة. الأمر الذي يرى فيه مختصون تربويون أنه يؤثر على المسيرة التعليمية وجودة التعليم في آنٍ واحد.
تكدسٌ يقول عنه الأهالي إنه يعزز فرص تفوق طلبة على حساب طلبة آخرين، إذ إن وجود أعداد كبيرة من الطلاب في الفصل قد يجعل المعلم يركز مع فئة معينة ويهمل الفئات الأخرى.
وهذا بطبيعة الأمر، يزيد بحسب شكوى الأهالي من الأعباء والضغوط النفسية على الأهالي وعلى الطلبة أنفسهم، الذين بلغ عدد المسجلين منهم في مدارس الأونروا في قطاع غزة (278,000) طالب وطالبة موزعين على (278) مدرسة.
ويحرص القانون الفلسطيني رقم (8) لعام 2017، بشأن التربية والتعليم العام، في البند الثاني من المادة رقم (3)، على أن النظام التعليمي يسعى إلى تحقيق الآتي: تنمية شخصية الطالب ومواهبه وقدراته الذهنية والجسمية، والتفاعل إيجابياً مع المتغيرات المعرفية والتقنية والمعلوماتية. وكذلك تعزيز اتباع الأسلوب العلمي في التعلم والبحث وحلّ المشكلات، والاستعداد العلمي والعملي.
لكن في المقابل، يرى المختص التربوي الدكتور فيصل مزيد، إنه يستحيل تحقيق هذا البند القانوني، لطالما استمرت حالة التكدس الصفي قائمة داخل المدارس.
وأكد مزيد في سياق حديثه لـ"آخر قصة" على وجود عدة أسباب رئيسية تدفع الأسر لتحمل العبء الأكبر من العملية التعليمية، أبرزها الأعداد الكبيرة للطلبة في الفصول الدراسية، لاسيما أنه يتجاوز عدد طلبة الفصل الواحد 42 طالباً وطالبة.
وتكمن صعوبة متابعة الطلبة من قبل المعلمين والمعلمات، وفقاً للمختص مزيد، في المناهج التي قال إنها غير ملائمة للمراحل العمرية الأولى، وهذا بإجماع أغلب الأخصائيين التربويين. وقال: "عقدنا عدة لقاءات مع وزارة التربية والتعليم للتخفيف من عبء المنهج الدراسي على الطلبة، وشددنا على أهمية أنه لا يتناسب مع الفئات العمرية في المراحل الأولى، وهذا الأمر يزيد من عملية التجهيل وليس التعليم".
على ضوء ذلك، يشير مزيد إلى أهمية إعداد دراسة مستفيضة مع أهل الاختصاص، تضمن وجود منهجية سليمة في عملية التعليم واختيار الدروس من بداية الفصل، وقال: "لماذا تلجأ وزارة التربية والتعليم لإلغاء بعض الدروس مع نهاية العام الدراسي، لماذا لا يكون الإلغاء مخططًا له مطلع العام وضمن منهجية واضحة للتخفيف عن الطلبة".
وبالعودة عامان إلى الوراء، نجد أن العملية التعليمية شابها ما شابها من تحديات نتيجة انتشار جائحة كوفيد19 والتي أثرت في واقع الأمر على تعليم أطفال المرحلة الأولى، بدءًا من رياض الأطفال مرورا بالفصل الأول والثاني الابتدائي، والتي انقطع فيها عن البيئة الصفية والتحقوا بالتعلم الإلكتروني الذي اشكت العديد من الأمهات من تعقيداته وتأثير المباشر على أطفالهن.
وقالت نهى محمد وهي أم لطفلين إن طفلها (أيمن) تسع سنوات، لا يزال يعاني صعوبة في الكتابة وكذلك الإملاء، وبخاصة أنه لم يلتحق بالبيئة الصفية منذ التحاقه بالمدرسة في ظلّ جائحة كوفيد.
وأضافت نهى القاطنة في جنوب قطاع غزة، أن طفلها واحد من مئات الطلبة الذي التحقوا بالمرحلة الابتدائية في حقبة "كورونا"، وهي بالنسبة للأطفال مرحلة تأسيسية لابد من أن يتكاثف فيها جهود المعلمين والطلبة على حد سواء من أجل صقل مهارات الطلبة العلمية.
وأشارت إلى أنها تعاني مع طفلها الذي تأثر كثيرا بالتعليم الإلكتروني ووجد صعوبة في التعليم الوجاهي بعدما عادت الحياة التعليمية إلى سابق عهدها.
وتظهر نتائج مسح أثر جائحة كوفيد 19 على الوصول إلى الخدمات التعليمية للأسر الفلسطينية، (آذار _ أيار)، 2022 بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، أن نصف الأسر تقريباً حُرم أطفالها التعليم عن بعد، لعدة أسباب من بينها عدم توفر الانترنت.
ووفقاً للإحصائية فإنّ 51% من الأسر في قطاع غزة التي لديها أطفال (6-18 سنة) وملتحقين بالتعليم قبل الإغلاق لم يشارك أطفالهم في أنشطة تعليمية خلال فترة الإغلاق، وأنّ 40% من الأسر الذين شارك أطفالهم في أي من الأنشطة التعليمية خلال فترة الإغلاق قيموا التجربة بانها سيئة ولم تُؤدِّ الغرض منها.
هذا الأثر السلبي الذي خلفته الجائحة تقول السيدة محمود، أنه يجب أن يكون محفزا، لأن تبذل المؤسسة التعليمية جهدا إضافيا من أجل معالجة التأثيرات التي خلفها التعليم عن بعد بسبب الجائحة، كحصص إضافية لتحسين جودة الخط والإملاء ونطق الحروف.. إلخ.
كل ما تقدم، قاد مراسلة "آخر قصّة" إلى حمل جملة الشكاوى ووضعها على طاولة "الأونروا" للنقاش، والإجابة على التساؤلات التي يطرحها أهالي الطلبة.
استفتحت إيناس حمدان مدير الإعلام في وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين، حديثها عن واقع الأطفال في المرحلة الابتدائية التي يشتكي أولياء أمورهم من الجهد الملقى على كاهل الأسرة، وقالت "إن برنامج الأونروا يهدف إلى تحسين نوعية التعليم المقدم للأطفال اللاجئين الفلسطينيين في مدارسها من خلال تحسين أساليب التدريس، كما تعمل على تطوير المؤهلات المهنية للعاملين في التدريس فيها من خلال إلحاق المعلمين ببرامج متطورة تعتمد على استراتيجيات التعلم النشط والعديد من الأفكار التربوية الحديثة".
وفيما يتعلق بشكاوى الأهالي من دور المعلم في تعقيد المنهاج، أشارت حمدان إلى أن "دور المعلم واضح ومعروف للجميع وعلى ولي الأمر الفصل بين الأدوار والتواصل مع المعلم بشكل مستمر ليقف عند مستوى التحسن أو التأخر في مستوى طفله التعليمي".
واعتبرت حمدان أنّ الطلبة في مدارس الأونروا يتمتعون بجميع الفرص التي توفر لهم التعليم المنصف والجامع، مشددة على ضرورة أن يكون هناك شراكة حقيقة بين المدرسة وولي الأمر كدور معزز وليس بديلاً له، حسبما ترى.
ورداً على الأسئلة المتعلقة بالجهد المضاعف المبذول من أولياء الأمور، قالت مسؤولة الإعلام في الأونروا، "هذا الأمر غير وارد حيث يقوم المعلم بتنفيذ العديد من الأنشطة المتنوعة التي تراعي جميع مستويات وفئات الطلاب، وأنّ ما يتم إرساله للطلبة عبر وسائل التواصل الاجتماعي في ظلّ التعليم الوجاهي هي مبادرات فردية من معلمين للتواصل مع أولياء الأمور، وقد أصبحت في عصر الرقمنة مطلباً يوميا للعديد من أولياء الأمور".
وعبّرت في الوقت نفسه، عن أهمية متابعة الأم يوميا لجميع المواضيع التي يدرسها الطالب. وليست بشكل أسبوعي أو شهري ونهاية الفصل كما يفهمها البعض، مبينة أن الأونروا تسعى لتعزيز مفهوم الحق في التعليم من خلال الاهتمام في تعليم أبناء اللاجئين عبر البرامج المتنوعة التي تقدمها داخل مدارسها.
مدارس تعليم الأونروا