قفزت سوزان العمصي (39 عامًا) فرحًا بعدما ظهر اتصال دولي على شاشة هاتفها، يخبرها بأنّها حصلت على لقب "الشخصية النسائية الرائدة في العالم العربي"، بإعلانٍ من شبكة إعلام المرأة العربية في جمهورية مصر، فكانت المرأة الفلسطينية الوحيدة من ذوي الإعاقة التي تحظى باللقب.
ذلك اليوم لم يُمح من ذاكرة العمصي، فلم يكن حصولها على اللقب بالأمر الهين خاصّة أنّها نالته بعد سنوات طويلة قضتها تُعاني من إعاقة نتيجة إصابتها بمرضٍ مزمن منذ طفولتها، رافقها في مراحلها العمرية الأولى واستمر حتى المرحلة الثانوية ثم تلاشى مُخلّفًا تشوهات في أطرافها الأربعة.
في منتصف أيلول/ سبتمبر من العام الجاري، أعلنت شبكة إعلام المرأة العربية (Awman)، وهي شبكة تطوعية تسلط الضوء على نجاحات المرأة العربية وتساندها إعلامياً وقانونياً ومعنوياً ونفسياً، عن الشخصيات النسائية العربية الفائزة في الجزء الرابع من الموسوعة، واللواتي تعددت جنسياتهن، من مصر، ليبيا، فلسطين، البحرين، اليمن، والسودان.
وقد اُختيرت العمصي التي تقطن مدينة غزة، ضمن (22) امرأة عربية؛ للفوز بهذه الموسوعة التي تمثل وثيقة تاريخية ترصد وتؤرخ جانبًا من ريادة ونجاح المرأة العربية من المحيط إلى الخليج.
وعن هذه المشاركة تقول، "صادفت الإعلان عبر الانترنت، ولم أفكر في التقديم إلا خلال الدقائق الأخيرة، أرفقت السيرة الذاتية ومجموعة طويلة من المبادرات والأنشطة المجتمعية التي قدتها أو شاركت بها على مدار السنوات الفائتة".
وتعد المبادرات من أهم معايير الاختيار في الموسوعة، فقد كانت عاملًا أساسيًا وراء حصول العمصي على اللقب، لمساهمتها في خدمة وإدماج ذوي الإعاقة في المجتمع عبر العديد من الأنشطة أهمها أنّها مدربة ضمن مشروع تعزيز التوعية وتقوية المناصرة الذاتية، فهي عضو في فريق الحلم الفلسطيني بالاتحاد العام للأشخاص ذوي الإعاقة، كما عملت منسقة لمبادرة (ليش لاء) في جمعية تنظيم الأسرة.
وتعزو الشابة الثلاثينية تمكنها من الحوز على هذه الإنجازات مجتمعة إلى دعم ومساندة أهلها الذين وصفتهم بـ "درع الحماية" لدورهم العظيم في دمجها مجتمعيًا، وإصرارهم على مواصلة مسيرتها التعليمية على الرغم من كل العقبات التي وقفت في طريق نجاحها.
تقول العمصي، "أصر والديّ منذ طفولتي على إلحاقي بالمدارس النظامية فلم يستسلموا لوضعي الصحي أو إعاقتي، وعملوا على دعمي في كل مراحل حياتي" حتى حصلت على درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال من جامعة الأزهر".
كانت تتطلع للحصول على وظيفة تلاءم شهادتها العلمية لكن ذلك بدا صعبًا بعد تكرار رفضها من المؤسسات المختلفة بسبب ما تعانيه من إعاقة، وهذا انعكاس واضح للنظرة النمطية "القاصرة" تجاه ذوي الإعاقة، وهو ما مَثل لها تحدٍ لتعيد التفكير في مجرى حياتها وتُثبت قدرتها على التغيير.
لذلك لم تبرح العمصي مكانها؛ بل انخرطت في الأعمال التطوعية في المؤسسات والجمعيات المختلفة التي تهتم بمناصرة ذوي الإعاقة والعمل معهم، خاصة الفتيات منهن الذين وصل عددهم إلى (25.282) ألف أنثى من مجمل ذوي الإعاقة البالغين (٥٦.٤٧٩) ألف شخص في قطاع غزة، بينما شكّل الذين يُعانون صعوبة في الحركة مثلها ما نسبته (54.23%) منهم.
وكان لنشاط العمصي مع جميع هذه الفئات دور في تنفيذ العديد من المبادرات والأنشطة التي تخدمهم، وهو ما أهلّها للحصول عام 2016 على فرصة عمل في إطار إرشاد الأقران وهو عبارة عن نقل تجربة أشخاص ذوي إعاقة متمكنين مجتمعيًا إلى غيرهم من الأشخاص ذوي الإعاقة غير المتمكنين؛ بهدف مساعدتهم على التأقلم، كما أتاح لها الفرص في مساعدة وخدمة فئات كبيرة من ذوي الإعاقة وتعريفهم على حقوقهم وتمكينهم من الانفتاح على المجتمع.
اليوم، تعمل الشابة سوزان أخصائية إرشاد وظيفي في جمعية الحياة المستقلة، ويتلخص عملها في مساعدة ذوي الإعاقة للدخول إلى سوق العمل، من خلال التدريبات وورش العمل، توضح "نعمل كوسيط بين الشركات والمؤسسات من جهة، واختيار الأشخاص من ذوي الإعاقة بما يتلاءم مع متطلبات الوظائف".
من خلال دورها البنّاء وجهود الكثير حولها استطاع العديد من الأشخاص ذوي الإعاقة إثبات أنفسهم واكتشاف قدراتهم وتطوير مهاراتهم في الحياة العملية داخل المجتمع الفلسطيني، فأصبح لهم حضور في مختلف الجوانب المهنية والحياتية، وتمكنوا من رسم مستقبل مشرق لأنفسهم.
هؤلاء ينظرون اليوم إلى سوزان العمصي بقوتها وسعيها المستمر للنجاح والتغيير على الرغم من إعاقتها، كمثال يحتذى به وإلهامًا للعديد من النساء والشباب في سبيل تحقيق أحلامهم وتحدي المعوقات التي تعترض طريقهم، والمساهمة الفعالة لخدمة المجتمع وتغييره نحو الأفضل.
سوزان العمصي