غزة: أطفال يرسمون الأضاحي بدلاً من لمسها

غزة: أطفال يرسمون الأضاحي بدلاً من لمسها

في ورشة فنية مقامة داخل خيمة إيواء غرب مدينة غزة، يجلس الطفل علي جمال (10 أعوام) أمام طاولة خشبية، يرسم بقلم رصاص خروفاً ثم قام بتلوينه بألوان زاهية.

ينشغل الطفل جمال، هو واحد من أصل عشرين طفلاً جميعهم أبناء لأسر نازحة تسكن مخيم بال يفتقد إلى أدنى مقومات الحياة الأدمية. ومع ذلك يمارسون بمعاونة مبادرات فردية حقهم في الرسم والترفيه.

وتتصادف هذه الفاعلية الفنية مع وقفة عيد الأضحى الذي يحل للعام الثاني على التوالي وسط الحرب، دون وجود أي من طقوس أو احتفالات للعيد.

ومعظم الأطفال المشاركين في الرسم والتعبير يشعرون بالجوع نتيجة الحرمان من الطعام واغلاق المعابر منذ مارس الماضي. ويقول محمد عبد الرحمن (27 عاماً) وهو مشرف فني، أنا مصدوم لأن غالبية الأطفال من ذكور وإناث حينما طالبنا منهم أن يعبروا عما يجول في خواطرهم قاموا برسم الخِراف كناية عن الأضاحي.

يتحدث عبد الرحمن متأثرا بواقع الأطفال: "من لم يتمكن من تناول طعام الأضاحي بسبب الحرب، فعلى الأقل استطاع التعبير عن حاجته الماسة لتناول اللحوم، وفي الحالتين هناك كارثة صحية تتهدد صحتهم الجسدية والنفسية".

وينشغل أطفال آخرون في تشكيل مجسمات للأضاحي مصنوعة من كرتون بقايا الصناديق الغذائية. تقول رهف (8 أعوام) وهي تبتسم ببراءة: "قبل الحرب، كان أبي يشتري خروفاً حقيقياً... هذا العام، قالوا لي: الخراف غالية، فسأذبحها على الورق".

وإذا كانت رسومات الأطفال تعتبر تعبيرا صامتا عن الجوع والحرمان من البروتين، فإن الأرقام الصادمة تكشف حقيقة الواقع الذي يعيشه السكان عموما والذين يزيد عددهم عن اثني مليون إنسان.

وفقاً لتجار محليون، فقد بلغ سعر الخروف في غزة نحو 4000 دولار (مقابل 500 دولارا في 2023).

وزارة الزراعة في غزة تؤكد أن 85% من المواشي نفقت أو ذُبحت مبكراً بسبب نقص الأعلاف خلال الحرب. يترافق ذلك مع تقديرات برنامج الأغذية العالمي أن أكثر من 70 ألف طفل في قطاع غزة يواجهون سوق التغذية الحاد.

ويرجع هذا الواقع، إلى الوضع الغذائي المتردي في القطاع، حيث يعاني عدد كبير من السكان، وخاصة الأطفال، من سوء التغذية الحاد والمزمن. ويرجع هذا الوضع بشكل أساسي إلى الصراع المستمر منذ السابع من أكتوبر 2023، والقيود الإسرائيلية على وصول المساعدات الإنسانية، وانعدام الأمن الغذائي، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة بشكل يومي.

وربما لأول مرة في تاريخ العيد، لن يشارك أطفال غزة في ذبح الأضحية هذا العام، وتحولت ورش الفن بديلاً عن ساحات الذبح. 

وكمساحة للتفريغ، شرعت المشرفة الفنية إيمان عيد (29 عاماً) في صناعة طقوس عيد وتحويل البؤس إلى نشاط إبداعي: "بدأنا الفكرة بعد أن رأينا أطفالاً يبكون لأن آباءهم لم يستطيعوا شراء أضحية أو حتى لحوم معلبة، فبدأنا بتعليمهم أن التضحية معنى قبل أن تكون لحماً(..) يرسمون الخروف، ثم يكتبون على ظهر الورقة اسم شخص يريدون إهداء الأضحية له: "أفراد أسرهم، أو فقيد، جائع، أو حتى أنفسهم".

وتنطوي الأضاحي المعنوية على أثر نفسي عميق، حيث يرى الأخصائي النفسي محمد مهنا، إن هذه الآليات تُخفف الصدمة لدى شريحة كبيرة من الأطفال، لكنها في الوقت ذاته "لا تعوض الحرمان" حسبما قال.

وطبقا للأخصائي مهنا فإن 6 من كل 10 أطفال في غزة يعانون من كوابيس متعلقة بالحرب والدماء، بعضهم يخاف من حلول الليل، ناهيك عن أزمتهم الصحية مع الجوع والتي تزيد من حدة أزماتهم النفسية".

وأوضح مهنا وهو يقلب بين يديه رسومات الأطفال النازحين وتتراوح أعمارهم بين (7-15 عام) الذين شاركوا في الورشة، أن بعض الأطفال عبروا عن الجوع برسم دجاج في قن محاط بالسياج، معتبرا أن هذا يحمل دلالة على أن الأطفال يدركون أن طعامهم محاصر وهذا اعقد ما في الأمر.