بين الكرامة والاستغلال

بين الكرامة والاستغلال
الكاتب: حسن القطراوي

يقول سائق الحمار، إن على كل راكب أن يدفع "سبعة شواكل" نظير وصوله إلى مدينة دير البلح، وعلل هذا الغلاء بارتفاع أسعار الشعير، والحمار يحتاج رطلاً من الشعير كل يوم.

بجانبي شاب صغير السِن جلجل قائلاً؛ "لن أدفع أكثر من خمسة شواكل، كل يوم تسعيرة جديدة، كأننا نركب  مرسيدس، وكرّر مرّة أخرى بصلافة شديدة، لن أدفع أكثر من خمسة شواكل، هل تفهم؟".

صاحب الحمار بصوتٍ هادئ؛ "هيييييش"،

هيش، هي أقدم كلمة في لغة الحمير تقريبًا، وترجمتها باللغة العربية "توقّف"، الحمار توقّف فورًا كأنه سمع أمرًا عسكريًا، بعد توقّف سيّده الحمار، طلب من الشاب النزول.

في المقدمة رجُل أنيق بهندام راقٍ، طلب من صاحب الحمار مواصلة الطريق متكفلاً بأجرة الشاب كاملة، الشاب يبدو كريمًا، صدح للرجل  بأنه يمتلك المال، لكنه يرفض الاستغلال.

في هذه المعركة الطفيفة كان عليّ أن أقول شيئًا، فطلبت من الجميع النزول رفضًا للجشع والاستغلال رغم امتلاكنا للمال، وبالفعل نزلت، لكن أحدًا لم ينزل معي سوى الشاب.

نظرت للشاب وقلت؛ لا بأس يا صديقي نحن نصنع حميرنا، فصاحب الحمار لديه خبرة طويلة بنفسيّة الركاب، يعرف أنّ أحدًا لن يجادله، وإن كان فالعدد لن يؤثر حتمًا.

انتظرنا مواصلة أخرى لمدة تزيد عن ثلث ساعة والشاب يعتذر مني كل دقيقة تقريبًا، كان مهذبًا جميلاً، أخبرته أنني فخور به، واتفقنا أن الطريق الصحيح، لا يعيبه قلة السالكين.

افترقنا، لكن القصة لم تنته بعد، رأيته في طريق العودة ماشيًا على قدميه يجرّها كأنه يجر الدنيا معه، ناديته أن يركب معنا لكنه رفض، يخيّل إليّ أنه لم يكُن يمتلك سوى أجرة الذهاب،

لكنه يملك الكثير من كرامته.