الذكاء الاصطناعي يكتب خطب العيد.. فقهاء ينتقدون

الذكاء الاصطناعي يكتب خطب العيد.. فقهاء ينتقدون

في ظاهرة أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط الدينية والاجتماعية، بدأت بعض المساجد والمراكز الإسلامية حول العالم باستخدام الذكاء الاصطناعي للمساعدة في كتابة خطب عيد الأضحى وخطب الجمعة.

وبينما يرى البعض أن هذه خطوة نحو التحديث وتسهيل العمل الدعوي، يُحذّر علماء دين وفقهاء من فقدان الروح والرسالة الأصلية للخُطبة، ما يُثير تساؤلات كبيرة حول حدود تدخل التكنولوجيا في الشؤون الدينية.

من يكتب خطبة العيد؟ روبوت أم خطيب؟

في عدد من الدول الغربية، لجأت مراكز إسلامية ناطقة بالإنجليزية إلى استخدام أدوات ذكاء اصطناعي مثل "ChatGPT" أو "Gemini" لاقتراح محتوى خطبة العيد، خاصة في ظل قلة الأئمة المتخصصين في تلك المجتمعات، أو بسبب ضعف اللغة لدى بعض الخطباء الجدد.

وفي المقابل، خرجت أصوات فقهية وشيوخ تقليديون بانتقادات حادة لهذا الاتجاه. واعتبر بعضهم أن الخطبة، خصوصًا في العيد، هي تعبير عن حال الأمة وآلامها وآمالها، ولا يمكن لآلة أن تستشعر ذلك أو توصل الرسالة بإخلاص وإيمان.

الشيخ يوسف البدر، من علماء الأزهر، صرّح بأن "من يكتب خطبته آليًا لا يخاطب القلوب بل يخاطب فراغاً. كيف يمكن لخُطبة موجهة من آلة أن تُلهب المشاعر وتوجّه الأمة؟".

ما الذي تغيّر؟ ولماذا الآن؟

وأدى الانتشار السريع لأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى فتح المجال أمام استخدامها في مجالات غير متوقعة، منها الخطاب الديني. الحاجة لتحديث اللغة، مخاطبة جمهور واسع من الشباب، وندرة الكوادر الدعوية، جعلت بعض الجهات ترى في الذكاء الاصطناعي حلاً مؤقتًا.

كما أن بعض المساجد في أوروبا وكندا باتت توظف الذكاء الاصطناعي لترجمة الخطب بشكل فوري إلى لغات متعددة، مثل الفرنسية، التركية، أو الإسبانية، مما ساعد على توسيع دائرة الفهم لدى الجاليات المتنوعة.

روح الخطبة وصيغتها

ويرى المدافعون عن هذا التوجه أن الذكاء الاصطناعي لا يكتب الخطبة بالكامل، بل يساعد في الصياغة والتحرير، فيما تظل الروح والمضمون مسؤولية الخطيب نفسه.

لكن في المقابل، تُطرح مخاوف حول من يُسيطر على هذه التكنولوجيا، وهل يمكن مستقبلاً برمجة الذكاء الاصطناعي لتمرير أفكار أو توجهات معينة باسم الدين، دون رقابة بشرية واعية؟

بين التيسير والتفريغ

تكمن الأزمة الحقيقية في المدى الذي يمكن أن نسمح فيه للتقنية بأن تأخذ دور الإنسان في المجال الديني.

والخطبة ليست مجرد نص، بل لحظة روحية، فيها تواصل عاطفي وتفاعل بشري لا يمكن استنساخه رقميًا. وقد يكون الاعتماد الزائد على الآلة تفريغًا للخطبة من محتواها الروحي، حتى وإن بدت منسقة ومليئة بالمراجع.

والواقع يفرض نفسه. الذكاء الاصطناعي لن يختفي من المجال الديني، بل سيزداد حضوره. المهم الآن هو تحديد أطر واضحة لاستخدامه، بحيث يظل وسيلة لا غاية، ويظل الإمام هو المسؤول عن المحتوى، لا مجرد قارئ لما كتبته خوارزمية.

الذكاء الاصطناعي يطرق أبواب المساجد، ويكتب خطبًا تُلقى على ملايين المسلمين. وبين من يراه تطورًا ضروريًا، ومن يخشى من ضياع الرسالة، تبقى الحقيقة أن التحدي ليس في الأداة، بل في كيفية استخدامها.

والدين ليس معادلة، بل رسالة، وإذا استُخدمت التكنولوجيا بحكمة، فقد تكون جسرًا جديدًا للوصول إلى القلوب، لا حاجزًا بينها وبين الحقيقة.