مرة أخرى يلوك السكان أعلاف الطيور بسبب الجوع

مرة أخرى يلوك السكان أعلاف الطيور بسبب الجوع

تحاول السيدة منتصرة الكفارنة التي نزحت من بلدة بيت حانون مع عائلتها إلى مدينة غزة بفعل التهديد الإسرائيلي، إلى تقاسم الطعام مع الطيور في ظل نفاذ مخزون الدقيق.  

تفصل الكفارنة، الأرز والبرغل عن الحجارة الموجودة في علف الطيور لتحضر لقمة طعام تسد بها رمق أطفالها. وقالت: "نُجبر على أكل الحبوب المخلوطة بالحجارة بسبب شح الدقيق والأكل والشرب، لا يصل إلينا شيء - ولا أي مساعدات".  

وأضافت والحزن يخيم على وجهها، "الأطفال يبكون طوال الوقت من الجوع. هذا علف طيور - غير صالح للاستهلاك البشري - لكننا نطهوه لإسكات جوع أطفالنا الصغار، الأسعار مرتفعة للغاية، ولا نجد شيئا". 

ولجأت الأسر في قطاع غزة إلى اتخاذ تدابير شديدة من أجل البقاء وإطعام أفرادها، في ظل النقص الحاد في المواد الغذائية الذي تشهده أسواق غزة، حيث تبدو معظم المتاجر شبه فارغة.

وفقدت العديد من العائلات إمكانية الحصول على الضروريات الأساسية كاللحوم والدقيق والخضراوات، بينما ارتفعت بشكل حاد أسعار السلع التي لا تزال موجودة في الأسواق كالدقيق والسكر.

وقالت أمينة عبد الرحمن (*)، وهي نازحة في مدينة غزة إن ثمن حبة الطماطم أو البصل في غزة يصل اليوم إلى خمسة شيكل، أي ما يعادل 1.38 دولار أمريكي للثمرة الواحدة.

وأضافت السيدة بوجه عابس: "الحياة هنا صعبة للغاية، نناشد الدول العربية والعالم أن ينظروا إلينا - أن ينجدونا. نحن في غزة نموت جوعا". 

وتتفاقم معاناة المدنيين في قطاع غزة مع دخول الإغلاق الإسرائيلي الشامل أسبوعه التاسع، في ظل استمرار نفاد المساعدات الإنسانية والغياب شبه الكامل للإمدادات الغذائية والرعاية الصحية، واستهداف مخازن الغذاء والتكايا التي تقدم وجبات الغذاء للأسر الفقيرة ومعدمة الدخل.

وكان فريق العمل الإنساني للأمم المتحدة في الأرض الفلسطينية المحتلة قد ذكر أن الخطة الإسرائيلية "تبدو مصممة لتعزيز السيطرة على المواد الأساسية اللازمة للحياة كأسلوب ضغط وكجزء من استراتيجية عسكرية".

وقال الفريق إن العمل الإنساني "يستجيب لاحتياجات الناس أينما كانوا"، مؤكدا أن فرقه لا تزال في غزة مستعدة لتوسيع نطاق تقديم الإمدادات والخدمات الأساسية، بما في ذلك الغذاء والماء والصحة والتغذية والحماية وغيرها.  

وأضاف: "لدينا مخزونات كبيرة جاهزة للدخول فور رفع الإغلاق. نحث قادة العالم على استخدام نفوذهم لتحقيق ذلك. لقد حان الوقت".

تتزامن حالة الجوع التي يشهدها القطاع وبلوغ سوء التغذية نسباً غير مسبوقة، مع اقتراح الاحتلال الإسرائيلي إدخال المساعدات الإنسانية عبر طرق أمنية، مع إعلان توسيع العملية العسكرية على قطاع غزة.

ولم يعد يلتفت السكان إلى التهديد العسكري بقدر الاهتمام بالبحث عن الغذاء الذي من شأنه أن يبقيهم على قيد الحياة. يقول عبد الله حسين (63 عاماً) لم يعد هناك ما يخفنا في التهديد العسكري، نحن نخشى الآن الموت جوعا.. الأطفال يتضورن من الجوع ولا نجد كسرة خبز، إلى متى سنبقى ندفع ثمن هذا التواطؤ!".

وأضاف الرجل الذي يرفض الانصياع إلى أوامر الإخلاء في شمال قطاع غزة، قضينا عمرا طويلا نسمع مقولة لا أحد يموت جوعا في هذا البلد، لكننا وصلنا إلى اليوم الذي بتنا نرى فيه الناس تموت من الجوع لأنها لا تملك حتى رغيف خبز، دون أن يحرك العالم ساكناً!".

بموازاة ذلك، أعرب المتحدث باسم الأمم المتحدة عن قلق الأمين العام أنطونيو غوتيريش بشأن التقارير التي تفيد بخطط إسرائيل لتوسيع العمليات البرية وإطالة أمد وجودها العسكري في غزة، الأمر الذي "سيؤدي حتما إلى مقتل أعداد لا تُحصى من المدنيين وتدمير غزة بشكل أكبر".  

المتحدثة باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في غزة، أولغا تشيريفكو، من جهتها قالت "إن الآلية الإسرائيلية المقترحة لإيصال الإغاثة للمدنيين في غزة لا تتماشى مع المبادئ الإنسانية، وأكدت أن "منح مزيد من السيطرة العملياتية لأحد أطراف النزاع من شأنه أن يعرض المساعدات للخطر، خاصة لمن هم في أمس الحاجة إليها".

وأضافت تشيريفكو أن السلطات الإسرائيلية أطلعت المجتمع الإنساني على الخطة - التي تسعى إلى إنشاء مراكز إسرائيلية لتوزيع المساعدات، مؤكدة أن ذلك سيؤدي إلى الإنهاء الفعلي للآلية القائمة لتوزيع المساعدات التي تديرها الأمم المتحدة وشركاؤها في المجال الإنساني.

وأوضحت أن هذه الخطة تنتهك المبادئ الإنسانية المتمثلة في الحياد والنزاهة والاستقلالية، "وقد تعرض الناس للخطر، بمن فيهم عمال الإغاثة، من خلال وجودهم بالقرب من هذه المناطق العسكرية"، وقالت إن هذه الخطة تعرض أيضا الفئات الضعيفة للخطر، وخاصة من يعانون من صعوبات في التنقل، حيث أن مناطق واسعة من غزة، حيث يعيش هؤلاء الناس، لن تتمكن من تلقي المساعدة".

إزاء هذا الواقع، عبر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، عن إدانته الشديدة، لاستهداف الاحتلال لتكيات الطعام، التي باتت تُشكّل الملاذ الأخير لمئات الآلاف من الجوعى والمحرومين، بالتزامن مع تصاعد وتيرة القتل الجماعي وإبادة العائلات.

وقال المركز في بيان له إن هناك استخفافا إسرائيليا مطلق بالقانون الدولي الإنساني، والمأساة الإنسانية التي تسببت فيها في قطاع غزة، عبر استهداف المبادرات المحلية والمرافق التي توفّر الطعام للأهالي في ظل الانهيار الشامل للمنظومة الإنسانية.