احتفال خجول: عيد فقير وحزين يمر على غزة 

احتفال خجول: عيد فقير وحزين يمر على غزة 

استطاع محمد الكحلوت (41 عاما)، من سكان حي الكرامة شمال غرب مدينة غزة، رسم الفرحة على وجوه أبنائه الأربعة الذين حرمتهم الحرب من الاحتفال بالأعياد خلال العام الأخير، بسبب النزوح القسري المتكرر.

تمكن المواطن الكحلوت من شراء حاجيات العيد وكسوة لأطفاله رغم غلاء ثمنها، بتكلفة تزيد عن (1600 شيكل)، لكنه يعد هذا الإنفاق محاولة لإدخال لحظات من البهجة على الصغار رغم حالة البؤس التي تخيم على الأجواء نتيجة الحرب وعمليات القصف المتواصل.

ويعتمد الرجل على راتب شهري قدره (800 دولار أمريكي) لقاء عمله في إحدى الشركات، ويضطر لدفع عمولة تتراوح 30% مقابل سحب أمواله أو شراء ما يلزم الأسرة عبر التطبيق البنكي، ما يعني أن ربع الراتب يذهب هدراً.   

رغم فقدان الكحلوت لمنزله في الحرب، ويقيم حاليا في بيت عائلة زوجته، إلا أنه أصر على الاحتفال بأجواء العيد هذا العام.

رغم قتامة المشهد ووسط أجواء خجولة حاول البعض من سكان قطاع غزة، الاحتفال بالعيد بإحياء طقوس بسيطة كصناعة الكعك وشراء الملابس وحلاقة شعر الرأس. وهي صورة من صور التشبث بالأمل، على الرغم غياب أفق وقف إطلاق النار في المستقبل القريب.

ومع ذلك فلا يشكل الازدحام الذي شهدته الأسواق خلال اليومين الماضيين، انعكاسا حقيقيا للحالة العامة، فهناك عشرات الآلاف من الأسر التي تعاني انعداما في مصادر الدخل ولا يتوفر لديها أي من مقومات إحياء طقوس العيد بما في ذلك شراء الحلوى. فضلاً عن الأسر المكلومة والتي غالباً ما يأسرها الحزن لوقت طويل على فقدان أحبتها.   

يحاول الشاب مؤمن أبو زعيتر، من سكان مخيم جباليا شمال قطاع غزة، إضفاء أجواء من الفرحة بتزيين خيمته التي أقامها على أنقاض منزله المدمر، رغم استمرار أصوات الانفجارات القريبة والتي تسمع بشكل يومي، لكنه فضل تجاهلها وإحياء طقوس العيد.

يقول أبو زعتير بصوت مرتجف: "نترقب انتهاء الحرب بفارغ الصبر لنتجمع مع الأحباب، كما كنا سابقا، لكن الحرب الإسرائيلية دمرت غزة وأحياءها وأجواءها، ومع ذلك فهذه رسالة بأننا متمسكون بالحياة والأمل".

ويضيف: "خفوت البهجة والفرحة في أعين المحيطي بحلول العيد وكآبة الأجواء هي من جعلتني أزين الخيمة لأشعر بنوع من الأمل وسط هذا الدمار، وتفاؤل بأن السلام قادم لا محالة رغم إدراكنا حقيقة أنه أصبح حلما بعيد المنال".

في الأثناء، كانت عبير الخرطي (24عاما) تختزل الاحتفال بطقوس العيد في دعوات صامتة بالسلام وفي نظرات بالحنين إلى أيام كانت أكثر أمانًا واستقرارًا.

الخرطي تقيم مع عائلتها في ساحة مدرسة بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة منذ عام وخمسة أشهر بعد تدمير الاحتلال لمنزلها في بلدة المغراقة جنوبي مدينة غزة. وقد أصبيت مع أفراد عائلتها قبل أربعة أيام، بقصف استهدف خيمة مجاورة.

تقول الخرطي لمراسلة آخر قصة:" لا يوجد عيد ونحن نتوجع ونتألم، تعرضت لإصابة في يدي وانتظر إجراء عملية خلال أيام العيد، هذا هو حالنا. كنا نأمل أن يكون هذا العيد مختلفا لكنها الحرب وضريبتها الباهظة".

حال هذه السيدة، كحال الكثيرين الذين غابت عنهم أجواء الاحتفال بالعيد بعد فقدانهم لعائلاتهم أو تعرضهم لإصابات جعلتهم حبيسي الآسرة والكراسي المتحركة، حيث بلغ عدد الإصابات منذ عودة الحرب مجددا في الثامن من مارس إلى أكثر من 2000 إصابة، معظمهم من الأطفال والنساء.

السيدة هديل الشرقاوي التي عادت قبل نحو شهر إلى منزلها المدمر جزئيا في حي الرمال الشمالي وسط مدينة غزة بعد رحلة نزوح في مواصى خانيونس، قالت: "تفاءلت خيرا بأن احتفل وأطفالي بالعيد بعد حرمان طويل من الفرحة، لم يخطر ببالي لحظة واحدة أن تعود الحرب مجددا وبوتيرة أعنف".

وتمكنت الشرقاوي من شراء كسوة عيد جديدة لأطفالها، بعد اعتمادها على الملابس البالية لوقت طويل نتيجة الحرب وفقدان مصدر الدخل. وقالت: "على الأقل سنحاول أن ندخل البهجة على نفوس الأطفال الذين شابت رؤوسهم من هول ما رءوا في هذه الحرب".

أما السكان الذين اضطروا تحت وطأة قرارات الإخلاء الجديدة التي أصدرها الجيش الاسرائيلي قبل أيام، بالنزوح من شمال قطاع غزة والإقامة في خيام غرب مدينة غزة في تكرار لمشهد الألم والأسي، فلم يعد بالنسبة لهم أي معنى للعيد.

استقر الحال بالسيدة الخمسينية زينب حمد، من سكان بيت حانون، شمال قطاع غزة، بخيمة حصلت عليها بعد جهد كبير عبر إحدى المؤسسات الإغاثية، وأقامتها على رصيف شارع الجلاء وسط مدينة غزة بعد خروجها وعائلتها من البلدة قسراً قبل أيام.

تقول السيدة بنبرة يملؤها الوجع: "تحملنا كثيرا من الألم وفقدان كل شيء، كنا نأمل هذا العيد أن نقضيه مع الأحباب والجيران في بيت حانون التي غيبنا التهجير القسري عن أجواءها، ها نحن نعود لذات المشهد مجددا، وبدلا من أن نجتمع على الفرحة أصبحنا ننام على البؤس والفقر والقصف والدمار والنزوح".

وكانت هذه السيدة تستعد للبدء بطقوس صناعة كعك العيد لتحتفل بقدومه مع عائلتها وأشقائها، غير أن قرار الإخلاء والنزوح قد بدد أحلامها.

ويعاني قطاع غزة من وضع اقتصادي متردي كواحدة من تداعيات الحرب الخطرة، والتي نتج عنها إغلاق المعابر ووقف تدفق المساعدات، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة التي تجاوزت وفق الاحصاءات المحلية 80%.

ولأن العيد يمر بظروف اقتصادية متردية، فإن المختص الاقتصادي أحمد أبو قمر، رأى أن الأسر تعاني انهاكا اقتصاديا نتيجة انعدام مصادر الدخل.

وقال أبو قمر لمراسلة "أخر قصة"، "لا أموال لدى المواطنين تمكنهم من شراء احتياجات العيد والمستلزمات الخاصة به نظرا لانعدام الدخل بشكل كامل، كما أن هناك العديد من الأشخاص كان لديهم فرص للعمل ولكن مع إغلاق المصانع والمحال التجارية نتيجة وقف إدخال المواد والسلع الأساسية عبر المعابر، لم يتمكنوا من قضاء احتياجاتهم".

وفي تقيمه لحالة السوق، عقب بالقول: "المار بالأسواق يدرك جيدا أن هناك حالة من الكساد، أفرزتها شهور الحرب الطويلة، ولا يمكن الخروج من هذه الحالة سوى بفتح المعابر وإغاثة المواطنين وتقديم مساعدات مالية عاجلة حتى يتمكنوا من الإيفاء باحتياجاتهم".

يعود العيد مجددا بأجواء حزينة على سكان قطاع غزة في ظل أوضاع اقتصادية قاسية تفرضها الحرب على النازحين والمواطنين، ما يستدعى تدخلات من مؤسسات حكومية ودولية تساعد هؤلاء على الأقل تأمين احتياجات أطفالهم في العيد.