في عالم يسوده الرغبة الملحة في جمع الثروة وتحقيق النجاح المالي، يتجاهل العديد من الناس الجانب الأكثر أهمية في إدارة المال. إنها القدرة على إدارة الموارد المالية بحكمة وفهم عميق للتوازن بين الإنفاق والادخار والاستثمار.
كما أن مفهوم إدارة المال ليس بالضرورة أن تعني جلب المال، بل هو فن يتطلب الصبر والتخطيط الجيد لتحقيق الاستدامة المالية. وفي هذا السياق، تأتي عبارة "الاستثمار لا يعني الادخار" لتذكيرنا بأن الإدارة المالية ليست مجرد أموال تترك في البنك لكي تتمكن من الاستثمار والربح.
في هذا الإطار يقول الخبير الاقتصادي صلاح أبو المجد إن إدارة المال هي عملية أكثر صعوبة من جلب المال. ويشير إلى أنه مفهوم مجهول في الأوساط العربية إذ تقول الثقافة العربية الشائعة (اصرف أقل، وادّخر أكثر)، إلا أنها تفتقد إلى حدٍ ما إلى استثمار الأموال لتحصيل أموال أخرى.
تتضمن عملية إدارة المال، تخطيط ومراقبة استخدام الموارد المالية بطريقة فعالة وذكية. ومع أن الكثير من الناس يركزون على جلب المال وزيادة دخلهم، إلا أن الجانب الأكثر أهمية في الواقع هو كيفية إدارة هذا المال بحكمة.
قد يكون الادخار أحد أولى الخطوات في إدارة المال. يمكن أن يساعد الادّخار على تأمين الطوارئ وتحقيق الأهداف المالية القصيرة الأجل. ومع ذلك، فإن الادخار وحده ليس كافياً لتحقيق الاستدامة المالية. يجب أن نتعلم كيف نستثمر أموالنا بذكاء لكي نحقق عائدًا ماليًا أعلى على المدى الطويل.
ويعد الاستثمار جزءًا أساسيًا من إدارة المال الذكي، إنها طريقة لإنشاء أصول للحصول على دخل، وبدلاً من الاكتفاء بتخزين النقود في حساب التوفير يمكننا استثمارها. قد تكون هذه الأصول في أوجه مختلفة، مثل الأسهم، والسندات، والعقارات، وصناديق الاستثمار المتداولة، وذلك بهدف زيادة قيمة رأس المال الخاص بك عبر الوقت.
يتطلب الاستثمار دراسة وتحليلًا وفهمًا للأسواق المالية، ولكنه في المقابل يمكن أن يحقق عوائد مالية كبيرة على المدى الطويل.
وبالإشارة إلى طرق الاستثمار المبتكرة، يوضح أبو المجد قاعدة تقول (المكسب العملاق في النمو التراكمي) أن البعض لديه قناعة بأنّ الاستثمار يتطلب مالًا كبيرًا جدًا وهو قناعة مغلوطة، إذ يمكننا البدء بمبلغ بسيط ثم نراكم عليه. يقول، "تبدأ بمبلغ صغير وتستثمره، ثم يأتي المبلغ وعائده، فتستثمرهم معًا، وهكذا تنمو العملية ببطء وتراكمية".
وينبه إلى ضرورة الابتعاد عن "الترندات". وبدلًا منها التوجه للاستثمار في المشاريع التي اصطلح عليها اسم "المشاريع المملة" في إشارة إلى المشاريع التقليدية المستقرة التي لا تتقلب مع تقلب الأحوال والظروف.
كما أن هناك واحدة من أهم المبادئ في الاستثمار وهي التنويع في الاستثمارات. تجنب وضع جميع أموالك في استثمار واحد، وهو ما يعني أن تمتلك مزيجًا من الأصول، فتكون استثماراتك بين مختلف الفئات المالية. وبذلك يمكن للمستثمر تقليل المخاطر المرتبطة بتذبذبات السوق وتحقيق عوائد إيجابية على المدى الطويل.
وأشار أبو المجد إلى أن أفضل الاستثمارات هو الاستثمار في العقار مستشهدًا بعبارة اقتصادية تقول "العقار هو الابن البار"، وذلك لصعوبة الخسارة فيه. ونوّه إلى أهمية أن يكون الاستثمار في مبلغ بعيد عن احتياجاتنا ومتطلباتنا اليومية والشهرية نستخدمه في المضاربة الاستثمارية لسنوات دون انتظار عائد آني.
إلى جانب ذلك، يفضل تعلم مهارات الإدارة المالية، وهي أن تبدأ بفهم أساسيات الإيرادات والنفقات وكيفية وضع تكلفة، ثم يمكنك تطوير مهارات الاستثمار من خلال البحث والتعلم من الخبراء، ومن المهم أيضًا تقييمها وتعديلها حسب الحاجة.
تتطلب إدارة المال أيضًا القدرة على التخطيط المالي الجيد. يجب أن نحدد الأهداف المالية الطويلة والقصيرة الأجل ونضع خططًا محكمة لتحقيقها. يمكن أن تشمل هذه الأهداف شراء منزل، أو تأمين تعليم جيد للأطفال، أو التقاعد المبكر، وغيرها إذ يساعد وضع الخطط الواقعية والملموسة، في التحكم بمصيرنا المالي.
بشكل عام، يعزز الاستثمار النمو والاستدامة المالية على المدى البعيد، وبالتالي يجب على المستثمرين أن يولوه اهتمامًا كبيرًا ويعملون على تحسين مهاراتهم في إدارة المال. فالاستدامة المالية ليست مجرد مسألة رقمية، إنها ثقافة تتطلب الالتزام والتفاني.
علينا أن نتعلم كيف نحافظ على التوازن بين الاستمتاع بالحاضر وتخطيط المستقبل. يمكن أن يتضمن ذلك القيام بتحسينات تدريجية لنمط حياتنا المالية، مثل تقليل الديون وزيادة الادخار. يجب أن نكون ملتزمين بالعمل على تحقيق الاستدامة المالية والتعلم من الخبرات السابقة والتكيف مع التغيرات الاقتصادية والمالية.
وينصح خبراء الاقتصاد بمجموعة من الإرشادات لتحسين مهارات إدارة المال، وهي كالتالي:
وضع خطة مالية:
قم بتحديد أهدافك المالية ووضع خطة لتحقيقها. قم بتحديد المبالغ التي ترغب في الادخار أو استثمارها، وحدد الجدول الزمني الذي ترغب في تحقيق الأهداف عليه. كون خطة مالية واضحة ستساعدك على التركيز واتخاذ القرارات الصحيحة.
إنشاء ميزانية:
قم بتحليل إيراداتك ونفقاتك الشهرية وقم بإنشاء ميزانية. حدد الأولويات وتخصيص المبالغ لكل فئة من النفقات. تتيح لك الميزانية مراقبة النفقات والتأكد من عدم التجاوز.
توفير الطوارئ:
حاول إنشاء صندوق طوارئ يحتوي على مبلغ يكفي لتغطية نفقاتك لعدة أشهر. تعطيك هذه الاحتياطيات الطمأنينة في حالة حدوث طارئ مالي غير متوقع.
تنويع استثماراتك:
تجنب وضع كل أموالك في استثمار واحد. قم بتنويع استثماراتك عبر عدة فئات، مثل الأسهم والسندات والعقارات وصناديق الاستثمار. هذا يمكن أن يقلل من المخاطر ويزيد من فرص العائدات.
استمر في التعلم والبحث:
قم بمواصلة تطوير مهاراتك في إدارة المال من خلال القراءة والدراسة وحضور الندوات ومشاهدة الفيديوهات المعنية بالمالية والاستثمار. تعلم من الخبراء وابحث عن أفضل الممارسات في مجال إدارة المال.
تقييم ومراجعة:
قم بتقييم أداء استراتيجيتك المالية بشكل منتظم وقم بتعديلها حسب الحاجة. كن مرنًا ومستعدًا لتغيير الاستراتيجية إذا لزم الأمر بناءً على المتغيرات الاقتصادية والمالية.
استشارة خبير مالي:
إذا كنت تشعر بالحاجة إلى مساعدة إضافية، فقد تكون من الجيد استشارة خبير مالي. يمكن لخبير مالي أن يقدم لك نصائح مخصصة ويساعدك في تطوير استراتيجية مالية تتناسب مع أهدافك وظروفك الشخصية.
تذكر أن تحسن مهارات إدارة المال يتطلب الصبر والتدريب المستمر. قم بالتركيز على التعلم، إذ يساعدك تطبيق النصائح المذكورة على تحسين مهاراتك في إدارة المال وتحقيق النجاح المالي على المدى الطويل.
يتجاوز فن إدارة المال جلب الثروة، فهي عملية شاملة تتطلب القدرة على الادخار والاستثمار والتخطيط المالي الجيد. إذا استطعنا تعلم هذه المهارات وتطبيقها بحكمة، فإننا سنحقق الاستدامة المالية ونعيش حياة مالية أكثر أمانًا واستقرارًا. لذا، دعونا نستثمر في أنفسنا ونتعلم كيف ندير أموالنا بشكل صحيح، لأن الاستثمار الحقيقي هو في إدارة المال بحكمة واستدامة.
الاستثمار