التكدّس الصفي: تحدٍ تربوي وتعليمي في غزة

التكدّس الصفي: تحدٍ تربوي وتعليمي في غزة

"الأولاد فوق بعض" هكذا وصفت الثلاثينية صابرين وهي أمّ لطفلين في المرحلة الابتدائية صفوف أبنائها في مدارس مدينة غزة، نتيجةً لزيادة أعداد الطلاب في الفصل التي تصل إلى (40-45) طالب أو أكثر، فيما يجلس ثلاثة طلبة في المقعد الواحد.

هذا الاكتظاظ الذي يتنافى مع الإرشادات التربوية، بأن يتواجد من (15- 20) طالب داخل الفصل الواحد كحدٍ أقصى، لكن تحقق هذا الأمر يبدو صعبًا في ظلّ ما تشهده المدارس من اكتظاظ طلابي دون إمكانية إيجاد حلول في الوقت القريب.

وترى صابرين أن الأمر مرهقًا لأطفالها وزملائهم خاصّة أنهم في سنوات الدراسية الأولى، تقول، "الطقس حار والأمر مرهق على الصغار، خاصّة في ظلّ الازدحام الكبير على الدرج، وفي الفسحة أثناء تجولهم في الساحة المدرسية أو شرائهم من المقصف".

ولا تُخفي السيدة خوفها على أبنائها من هذا الازدحام أثناء مغادرتهم فصولهم، الذي قد يتسبب بحوادث أو يعيق بشكلٍ عام تقبلهم للمدرسة وانسجامهم مع الأجواء الدراسية والعملية التعليمية.

ومع بدء العام الدراسي الجديد، التحق أكثر من (625) ألف طالب/ ـة بمقاعد الدراسة في قطاع غزة، منهم (305) آلاف في مدارس حكومية، ونحو (300) ألف في مدارس "أونروا"، و(21) ألفاً آخرون بمدارس خاصة، فيما بلغ عدد المدارس الإجمالي 803 مدرسة، بحسب وزارة التربية والتعليم بغزة.

وبمقارنة أعداد الطلبة مع أعداد المدارس، فإنّ المتوسط لأعداد الطلبة في كل مدرسة من (800- 1000) طالب، وذلك بحسب حجمها وطبيعتها (حكومية، أونروا، خاصّة). فيما يشتكي الأهالي من تكدّس أبنائهم داخل الفصول التي يصل عددها في كل مدرسة من (20- 22 فصل) والتي لا يتناسب عددها مع عدد الطلبة في كل مدرسة.

بينما يتناقض ذلك بشكلٍ أو بآخر، مع ما نصّ عليه القانون الفلسطيني رقم (8) لسنة 2017، بشأن التربية والتعليم العام، في المادة رقم (3)، على أهمية توفير بيئة تعليمية آمنة ومحفزة، تُعزز من عملية التعليم وتحافظ على صحة الطلبة والمدرسين.

تُشدد الفقرة (6) من المادة رقم (4) على أهمية تهيئة بيئة تعليمية تشجع على الابتكار، تساعد الطلبة على تطوير قدراتهم ومهاراتهم الإبداعية. هذا يعزز من تفكيرهم النقدي وقدرتهم على حلّ المشكلات بطرق جديدة ومبتكرة.

لكن مختصون تربويون أكّدوا على البيئة الدراسية التي تشهد اكتظاظًا بين الطلبة تتسبب بمشكلات كبيرة في نتائج تعلمهم، ويواجهون الكثير من الصعوبات في الحفاظ على الانضباط في ظلّ نقص المساحة وصعوبة تلقي التعليمات وضعف التعلم؛ مما يؤثر سلبًا على دراستهم.

ومن أهم المشكلات الناجمة عن الفصول الدراسية المكتظة، وفقًا لآراء مختصون، هو عدم وجود مساحة كافية للمعلم للتجول بين الطلبة، وزيادة مشاكل الانضباط، مما يتسبب بالكثير من الصراعات الشخصية والتوتر والسلوك غير المهذب عامة، بالإضافة إلى زيادة مستوى الضوضاء الإجمالي. 

كما أن الطلبة الذين يُعانون من صعوبات التعلم ستزداد معاناتهم أكثر بسبب كثافة الصف الدراسي، إلى جانب الضغوط النفسية على المعلم التي تتسبب في انهاكه وضعف قدرته على إيصال المعلومة بشكلٍ أفضل.

وبحسب المدير العام للعلاقات العامة والتعاون الدولي في وزارة التربية والتعليم، أحمد النجار، فإنّ قطاع التعليم قد تأثر بتداعيات الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة؛ ما تسبب بنقص المباني المدرسية اللازمة لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الطلبة في كل عام.

وقال النجار، "منذ سنوات تُعاني بعض مناطق في قطاع غزة، من مشكلة زيادة الكثافة الطلابية داخل الفصول الدراسية وخصوصاً في منطقة الشجاعية شرق مدينة غزة"، مؤكدا أن الوضع الاقتصادي المتردي  يقف حائلًا أمام قدرة وزارة التعليم والتعليم على حلّ مشكلة الكثافة الصفية، أو تشييد مدارس جديدة.  

وحول محاولات الوزارة لتحسين الوضع خلال العام الدراسي الحالي، يقول النجار: "تحاول الوزارة أن تكون الأعداد داخل الفصول مناسبة بحيث لا تتسبب في التأثير سلباً على جودة الحصص التعليمية، أو على أداء المعلمين".

وأشار إلى قيامهم بزيادة الأعداد التي يسمح بها النظام التعليمي في الوزارة إلى (٤٠-)٤٥ طالباً في المناطق التي تشهد كثافة سكانية عالية فقط.

بشكلٍ عام، فإنّ مشكلة زيادة أعداد الطلبة داخل الفصول في بعض المناطق ليست مستحدثة بل مشكلة بدأت منذ سنوات، ومن المتوقع أن تزداد ما لم يتم توفير التمويل اللازم أو إيجاد قطع أراضي كافية في مناطق ملائمة لبناء مدارس جديدة تستوعب الأعداد المتزايدة من الطلبة.

غير أن، وزارة التعليم تُحاول التغلب على مشكلة الأعداد الكبيرة للطلبة من خلال افتتاح بعض المدارس الجديدة التي تعمل بنظام الفترتين، كما تقوم الإدارة العامة للأبنية المدرسية بعمل توسعة في بعض المدارس القائمة، وذلك عبر إضافة فصول دراسية جديدة، وفقا لما قاله مسؤول العلاقات العامة بوزارة التربية والتعليم.

يأتي ذلك على الرغم من أنّ إضافة فصول دراسية جديدة تؤثر على حجم الساحات المخصصة للعب وأنشطة الطلبة التي تتقلص نتيجة لهذا التوسع.

وبدأت الوزارة العمل على ٣ مدارس جديدة؛ اثنتان في غرب غزة، وواحدة في شرق غزة، كما افتتحت ٦ مدارس أخرى للعمل بنظام الدوام المسائي، كما يجري الآن الانتهاء من تجهيز٥ مدارس أخرى، فيما يتوقع استلامها والبدء بتشغيلها خلال الفصل الدراسي القادم. 

وتشير المعطيات الميدانية إلى أن البيئة التعليم ستشهد تأزماً خلال السنوات القادمة، ما لم يتم تخصيص مساحات تسمح بإقامة مدارس جديدة لاستيعاب هذا الكم من الطلبة، والذين يزداد عددهم بشكل طردي سنوياً.