يشهد سائقو مركبات الأجرة في قطاع غزة تحديات متزايدة خلال فصل الصيف، في ظلّ ارتفاع درجات الحرارة بشكلٍ ملحوظ في هذه المدينة الساحلية؛ مما يُشكِّل تحدٍ صحيّ واقتصاديّ أمامهم ويزيد من معاناتهم اليومية.
ويسجل قطاع غزة ارتفاعًا حادّا في درجات الحرارة هذه الفترة، إذ يُقدِّر المختصون أن درجات الحرارة أعلى من معدّلها السنوي العام لشهر تموز/يوليو الحالي بحدود (7- 9 درجات) بمتوسط درجة حرارة 34-37 مئوية مع رطوبة خانقة على طول الشريط الساحلي.
يتسبب هذا الارتفاع في درجات الحرارة بمشكلات على مختلف الفئات، ونجد أنَّ سائقي مركبات الأجرة من أكثر الفئات المتضررة؛ نتيجة عملهم اليومي تحت أشعة الشمس لساعات طويلة مع وجود الزجاج العاكس الذي يزيد من تفاقم المشكلة.
يضطر سائق الأجرة أبو علي، الذي يعمل على خط توصيل غزة/ رفح، إلى وضع خرقة قماش قطنية بيضاء اللون على رقبته، ويُخبئ بجواره داخل حقيبة بلاستيكية زجاجة ماء مجمد، يستعملها لتبريد وجهه بها من حينٍ لآخر.
يقول الرجل الذي تركت حرارة الشمس علامات واضحة على وجهه الأبيض، "لست أدري كيف أصبح طقس غزة المعتدل، حاراً إلى هذا الحد.. إنه صيف حار جدًا، العمل في هذه الأجواء لا يُمكن احتماله، يبدأ يومي من ساعات الصباح الباكر فأجد نفسي في مواجهة أشعة الشمس الحارقة أثناء القيادة وأوقات أشعر أني سأفقد الوعي وأصاب بالدوار".
وفي ظلَّ هذا الارتفاع لدرجات الحرارة وتأثيراتها على سائقي سيارات الأجرة في قطاع غزة، يُطرح تساؤلًا مفاده لماذا لا يقوم السائقون بتركيب أنظمة تكييف الهواء أو أجهزة تبريد داخلهم مركباتهم؟
تعد تلك الأنظمة الخاصة بالتبريد داخل السيارات ضرورية ومهمة للتخفيف من وطأة أشعة الشمس الحارقة ولتوفير راحة وسلامة أكبر للسائق والركاب على حدٍ سواء؛ إلا أنَّ معظم شريحة سائقي سيارات الأجرة في قطاع غزة يُعانون ظروفًا اقتصادية صعبة، تحول دون قدرتهم على تحمل التكلفة المرتفعة _حسب تقديرهم_ لتركيب هذه الأجهزة.
تصل متوسط تكلفة تركيب نظام التكييف في المركبات إلى ما يُقارب (500 شيكل) أي نحو (150 دولارًا)، وهو ما قد لا يجنيه سائق الأجرة من صافي ربح (بعد تكاليف السولار والبنزين والصيانة الدورية) خلال عمله طوال شهر كامل.
وإضافة إلى التكاليف المادية، فإنَّ بعض السائقين يرون أن تركيب الأنظمة الإضافية يُعدّ تدخلاً ميكانيكيًا يُمكنه التأثير على حالة المركبة بالسلب وزيادة تكاليف الصيانة، لذلك يُفضل بعضهم تجنب تركيب أنظمة التكييف ويعتمدون على تحسين نظام التهوية من خلال وضع مروحة صغيرة لتدوير الهواء داخل السيارة والتي غالباً تُحرِّك الهواء الساخن فقط ولا تحلّ الأزمة.
نتيجةً لذلك، يقول سائق يدعى خالد عوض: "أفكر كثيرًا في ترك العمل خلال فترة الصيف لكن الظروف المادية لأسرتي لا تسمح، فهم بحاجة ماسّة إلى الدخل الشهري لتوفير الاحتياجات الأساسية؛ لذلك لا أستطيع ترك هذه المسؤولية فأضطر إلى تحمل ضربات الشمس وحروق الجلد المتوالية، وأحياناً تسلّخات جلدية في الظهر نتيجة الجلوس لفترات طويلة".
واشتكى عوض من انعكاس التغير المناخي على أمزجتهم كسائقين قائلا: "تؤثر درجات الحرارة المرتفعة على سلامة معظم سائقي الأجرة في قطاع غزة؛ ما يُعرِّض صحتهم وسلامتهم للخطر ويزيد من احتمال الإجهاد الحراري وضربات الشمس أثناء القيادة، وهو ما يُؤثر بطبيعة الحال على قدرتهم على تقديم خدمة جيدة للركاب ويعقد أسلوب التعامل مع الركاب، وكذلك يزيد من مخاطر الحوادث".
الأمر ذاته واجهه السائق الثلاثيني ضياء عبد الله، الذي أُصيب بضربة شمس قويّة أدّت إلى إغمائه قبل بضعة أيام، وتركته طريح الفراش؛ ما اضطره إلى التوقف عن العمل لمدّة يومين متتاليين.
يقول ضياء الذي بدت التصبغات الجلدية واضحة على يده اليسرى نتيجة ملامستها للنافذة أثناء القيادة: "لا يمكنني القيادة دون فتح النوافذ، لأن إغلاقهم يزيد من احتمال اختناقي لشدة الحر".
يتابع السائق في حديثٍ لـ "آخر قصّة"، "سيارتي قديمة ولا يمكنني تركيب نظام تكييف للهواء فيها بسبب تكلفته الباهظة، إضافة إلى أنّ سياتي المتهالكة لن تحتمل قوته، وكل ما أستطيع فعله في هذا الحرّ هو فتح النوافذ واستخدام مروحة صغيرة لكنه بالتأكيد غير كافٍ لمواجهة درجات الحرارة المرتفعة".
وبجانب كل تحديّات العمل التي يواجهها سائقو مركبات الأجرة "غير المكيفة" خلال فصل الصيف، يظهر تحدٍ آخر يتمثل في امتناع بعض الركاب من الركوب معهم عندما يرون حالة السيارة، خاصّة إذا كانت مدّة الرحلة طويلة بعض الشيء.
يُعلِّق السائق ضياء على ذلك: "يرفض بعض الركاب أن يستقلوا السيارة غير المكيفة خاصّة إذا كانت وجهتهم إلى أقصى الجنوب أو الشمال؛ مما يؤثر بالطبع على عملنا الذي لا نكسب منه ما يسدّ رمقنا وأطفالنا".
ويأمل هذا السائق أن يحظى وزملائه بدعمٍ حكومي لتوفير حلول أفضل للتخفيف من معاناتهم اليومية، وتحسين ظروف العمل التي يكابدونها خلال هذا الصيف الحارّ. أضاف: "نتمنى أن يتفهم الناس معاناتنا كسائقي تاكسي في هذه الظروف الصعبة، نحن نبذل قصارى جهدنا لتوفير خدمة جيدة للركاب، لكن ارتفاع حرارة الطقس تُصعّب الأمور علينا".
في ظلّ تلك التحدّيات ابتكر بعض السائقين حلولًا مؤقتة، منهم عمار حامد الذي فكَّر في تحديد أوقات للعمل لتجنب الساعات الشديدة الحرارة، فيتوقف عن العمل خلال فترة الظهيرة ويؤجر مركبته لأحد السائقين منذ الصباح وحتى ساعات المغرب؛ ليباشر هو العمل عليها قبيل المغرب وحتى منتصف الليل.
عانى حامد قبل ذلك من تبعات القيادة خلال فترة الظهيرة صيفاً؛ ما اضطره لاتخاذ هذا القرار، يقول: "جربت أكثر من مرة العمل في فترة الظهر خلال شهري يوليو وأغسطس؛ لكني لم أحتمل وعانيت من إجهاد وآلام في العينين من شدّة الحرارة، وكنت أشعر أنني أجلس في فرن وليس سارة، فقررت تأجير السيارة في هذا الوقت والعمل عليها في الأوقات الأقل حرارة".
وقد لا يُعد قرار السائق حامد قرارًا مُجديًّا لجميع السائقين، إذ لا يمكن تعميمه وقد يعتبره البعض آنانية واستغلال لحاجة سائقين آخرين، دفعتهم الحاجة وقلة ذات اليد للعمل تحت الشمس مجبرين.
لذلك، يجب أن تتدخل الجهات المعنية داخل قطاع غزة، وتوفر الدعم الخدماتي لشريحة سائقي مركبات الأجرة، الذين يلبون خدمات أساسية للمجتمع والمواطنين باعتبارها وسائل المواصلات الأساسية في القطاع، في ظلّ عدم انتشار وسائل مواصلات عامّة.