لا طائرات ورقية في سمائنا هذا الصيف! 

تكنولوجيا الألعاب قضت عليها 

لا طائرات ورقية في سمائنا هذا الصيف! 

تشهد الطائرات الورقية التي يصنعها الأطفال على شاطئ قطاع غزة اختفاءً تدريجيًا. كان الشاطئ يعتبر مهرجانًا للطائرات الورقية في السنوات السابقة، ولكن بفضل الألعاب الإلكترونية التي غزت عوالم الأطفال، فإنها فقدت شعبيتها. 

تعد الطائرات الورقية سمة شائعة في أيام الصيف الحارة، وخاصة خلال عطلة نهاية العام، حيث يستمتع الأطفال باللعب على شاطئ البحر وأسطح المنازل نظرًا للمساحة المحدودة والكثافة السكانية العالية التي يعانيها الأطفال في محافظات القطاع الخمس. ومع ذلك، فإن الطائرات الورقية تتجه نحو الاندثار الآن، ويصبح من النادر رؤيتها في السماء.

علاء خالد، شاب في العشرينيات من عمره، عبّر عن حنينه لتلك المشاهد من الطفولة على صفحته في فيسبوك. وقد قال: "كبرنا ولم نعد نرى في السماء طائرات ورقية. كنت أنتظر الإجازة الصيفية بفارغ الصبر لأصنع الطائرات الورقية مع إخوتي، وكان اختيار ألوان الطبق الورقي أكثر الأجزاء متعة في صناعتها".

يعود خالد بذاكرته إلى خمسة عشر عامًا مضت، حينما كانوا يجمعون الشواكل لشراء الأخشاب والأوراق الملونة الخاصة بالطائرات الورقية. كانوا يتنافسون في صنع أكبر وأجمل طائرة ورقية بألوانها المتنوعة وأشكالها الجميلة، ويتباهون بمهاراتهم في إطلاقها وتحليقها عاليًا.

تُعد الطائرات الورقية رمزًا للمرح فهي لعبة زهيدة الثمن، فصنعها لا يتطلب الكثير من التكاليف على عكس الدمى والألعاب البلاستيكية والإلكترونية. ويتحدث محمود حرب (60 عاماً)، كيف أنه كان وأشقاءه يستثمرون فصل الصيف قبل ما يزيد عن أربعة عقود في العمل بصناعة تلك الطائرات.

وقال حرب والشيب يغزو رأسه: "كنت أصنعها بحرافية عالية والأطفال الذين لا يملكون مهارة صنعها، كانوا يتوجهون إلينا لنصنعها لهم حسب الألوان التي يغربون بتزيين طائراتهم بها، وذلك بمقابل زهيد، لكنه في حينه كنا نعتبره مصدر رزق".

يشرح الرجل مكونات الطائرة الورقية، فهي تتشكل من ثلاثة أعواد بطول واحد، تجمع من المنتصف لتشكل شكل سداسي وتلصق فوقها الأوراق الملونة لتغطي وجهها، باستخدام اللاصق الصمغي، وسابقا كنا نعجن الدقيق بالماء ونستخدمه كلاصق للأوراق، ونصعه لها ذيلا أيضا بالأوراق (شراشيب)، ونربطها بحبل يزيد طوله عن 50 متراً، حتى نستطيع أن نراها محلقة على ارتفاع واضح. 

وأوضح الستيني حرب أنه وأبناء جيله لم يكونوا يأبهون بوقدة الشمس الحارقة وهم يركضون حفاة الأقدام في الطرقات الترابية وبخاصة في المخيمات، من أجل العمل على إطلاق طائراتهم الورقية، اعتمادا على اتجاه الهواء وسرعته. 

وقبل سنوات قليلة استخدمت الطائرات الورقية كوسيلة لإرسال الرسائل المعنوية والرمزية في المهرجانات الشعبية والوطنية، كرسائل الحرية والمحبة للعالم وكذلك يرى البعض في تحليقها في السماء محاولة لكسر الحصار المفروض على القطاع منذ ما يزيد عن 16 عامًا.

إلى جانب ذلك تُشكِّل مصدر دخل للأطفال الذين يعملون على صنعها وبيعها في الإجازة الصيفية، ففي حي الزيتون وهو أحد الأحياء الشعبية في قطاع غزة يقف الطفل يزن جميل أمام عربة صغيرة قبالة باب بيته يُعلّق عليها عدد من الطائرات الورقية المتعددة الأحجام.

يشير الطفل إلى الأطباق التي أمامه وقد التف حوله الأطفال من سنه وأصغر، ويقول إنه تشارك في صناعتها مع والده، الذي شجعه على هذا المشروع الصغير ليتمكن من جمع مصاريفه خلال الإجازة الصيفية.

يجلس والد يزن إلى جواره، ويقول "في صغري كنت أمهر مَن يصنع الأطباق الورقية الطائرة بين أبناء جيلي، وأحببت تعليمها لأطفالي؛ لأصرفهم عن الأجهزة الإلكترونية وأُعَلِمهم شيئًا مُمتعًا يستطيعون التسلية والترفيه فيه؛ لأن منطقتنا تفتقر للنوادي المخصصة للأطفال".

ويهدف الأب من خلال تعليم أبنائه صنع الطائرات الورقية إلى زرع ثقافة الاعتماد على النفس فيهم، بالإضافة إلى بعض الأساسيات في البيع والشراء من خلال تعويدهم على ذلك بما يتناسب مع أعمارهم. 

يقول جميل، "أنا تخرجت من تخصص التجارة وأشعر أنها مهارة من الجيد أن يمتلكها الأطفال؛ وبهذا أنا جمعت بين هواية سابقة لدي وتخصصي الدراسي وأعلمها لأطفالي بطريقة بسيطة".

أما لميا سمير (33 عامًا) فتعبر عن شوقها لهذه الفعالية التي كانت مخصصة للذكور أكثر من الإناث ولكنها كانت تشارك في اختيار ألوان الورق وفي بعض الأحيان تحظى بفرصة المشاركة في إمساك حبل الطائرة الورقية.

وتستذكر موقف دفعها للضحك عندما أفلت من يدها الحبل ولم يستطع أخوها الإمساك به بعد يومين من العمل لتضطر كعقاب لها أن تدفع له ما تدخر حينها وهو مبلغ خمسة شواكل، تعلق "ما أحلى تلك الذكريات والله بحزن على أطفال هذه الأيام حياتهم مملة ورتيبة، ولا يوجد بها شيء مسلٍ تحتفظ به الذاكرة".

يتفق كلٍ من والد يزن ولميا على أنّ التكنولوجيا من ملهيات العصر الحالي عن الألعاب اليدوية للأطفال الذين يزيد عددهم عن مليون طفل في قطاع غزة، ويُفضِل الكثير منهم الجلوس أمام شاشات الكمبيوتر والهواتف الذكية بدلاً من اللعب في الهواء الطلق.

وبالرغم تحديات تلاشي الطائرات الورقية في ظلّ تقدم التكنولوجيا وانتشار الألعاب الإلكترونية، إلا أنها ما زالت حاضرة في الأحياء الشعبية تحديدًا، التي يستمتع فيها الأطفال بهذه الألعاب التقليدية وينغمسون في عالم الإبداع واللعب في الهواء الطلق، محافظين على الطائرات الورقية كرمز للبراءة والمرح في عالم متغير باستمرار.