أسماني والدي فيروز لأكون نجمة نفسي وعائلتي وأبدع في حياتي لاسيما العملية منها وهذا ما أطمح له دائمًا، اسمي فيروز الرضيع وعمري الآن (42 عام) وأعيش مع عائلتي الممتدة في مدينة بيت لاهيا شمال قطاع غزة.
بعد ولادتي بستة شهور فقدت البصر في عيني اليسرى ومن قبلها لدي مشكلة خلقية وهي اعوجاج في قدميّ، لكن هذا كله لم يثنيني عن متابعة حياتي بثقة من خلال دعم عائلتي وأحبائي.
تأخرتُ في البدء بدراستي الجامعية نظراً للوضع الاقتصادي للعائلة الذي لم يسمح بتدريس أكثر من فرد في الوقت نفسه فكنا ندرس واحدًا تلو الآخر، وبعد انتهاء أختي بدأ دوري وكان هذا بعد 6 سنوات من دراستي للثانوية العامة فكنت من أكبر الطلاب في القاعة الدراسية في دبلوم التأهيل المجتمعي في الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية.
تخرجت بتقدير جيد جداً وترتيب الثالثة على دفعتي الجامعية وهو ما أهلّني هذا للعمل مع عدة مؤسسات، ولا أخفيكم كم زاد هذا الأمر من ثقتي بنفسي واكتسابي للخبرات والمهارات اللازمة في مجالي، ولكن نظراً لحالتي الصحيّة وسنّي كانت فرصتي في العمل بسيطة جداً فمعظم الوظائف كانت تطلب سن أقل من 35 عام.
ولكوني من سكان بيت لاهيا وعملي في غزة فكان الجزء الأكبر من راتبي يُصرف على المواصلات نتيجة البعد المكاني بينهما؛ وشكّل هذا عبئاً إضافيًّا عليّ خاصّة أنّ الراتب الذي كنت أتقاضاه في معظم فرص العمل المؤقتة التي حصلت عليها لم يتعدى (300 دولار) في أحسن الأحوال وبعضها لم يكن يتجاوز (700 شيكل)، فلجأت إلى العمل في أشياءٍ أخرى أحبها وتكون قريبة من منزلي.
وخلال تلك الفترة آثرت أن أكمل دراسة البكالوريوس في التربية الخاصّة وهو مجال مرتبط بدراسة الدبلوم السابقة الذي حصلت عليه واخترته لأني أنتمي إليه ولشعوري بأنّي جزء منه.
شعور الفخر ينتابني لأنني لم أستسلم كما العديد من الشباب في مجتمعنا؛ بل بالعكس رغم حالتي الصحيّة إلا أنّي أستمر بالسعي والعمل ومحاولة كسب رزقي وإن كان قليل؛ لذلك لم تؤثر عليّ نظرة المجتمع في أيّ من مراحل عمري بل كنت دائماُ أسمع بعض الكلمات مثل " فيروز تأخذ لقمتها من فمّ الأسد" وهو مثل يُقال في استمرارية السعي ورباطة الجأش.
توجهتُ مؤخرًا لممارسة شغفي القديم في الزراعة كون بيت لاهيا حيث أعيش تشتهر بأراضيها الزراعية الخصبة ومياهها العذبة، وهناك عدد كبير من السكان يعملون في الزراعة.
ومن هنا عملت على استغلال قطعة أرض لعائلتي وبدأت أجرب بشكل بسيط زراعة بعض النباتات الاستهلاكية التي يشتريها سكان المنطقة كالباذنجان والفلفل الأخضر وأبيعها للجيران والأقارب، لكن في البداية لم أكن أنجح دائماً لأنه الزراعة لها مواسم وأصول ولا أستطيع دائماً التغلب على تغيرات المناخ.
ومع ذلك لم يثنيني الأمر عن المواصلة في الزراعة لارتباطي الوثيق مع الأرض، كما أطمح بتطوير مشروعي لأستطيع من خلاله الاكتفاء ذاتياً فالحقيقة أنّ ما أجنيه من أرباح لا يتعدى بضعة شواكل لأنّ قطعة الأرض صغيرة جداً وعدد الشتلات التي أزرعها قليل.
من جانبٍ آخر وهو أمر قريب من مجال دراستي، بدأت مشروع متواضع لبيع ألعاب وحاجيات الأطفال برأس مال (100 دولار) كنت قد ادّخرتها، وقد ساعدني توفر "كشك" خشبي لدى عائلتي مُجهز أعدت ترتيبه وإحياؤه في ذلك، وقد اخترت ألعاب الأطفال لأني أحب أن أكون قريبة منهم وأشعر دائماً أن التعامل مع الأطفال أسهل بكثير من التعامل مع الكبار.
أتبع فكرة ذكية عندما أشعر بالحيرة في اختيار الألعاب والمنتجات التي سأبيعها في الكشك، وهي أنني أصحب واحد من أطفال الحي إلى السوق؛ ليساعدني في الاختيار وبالتالي أضمن أني كسبت الذوق العام للأطفال وهم الفئة المستهدفة لي.
وجودي بين أطفال الحي يجعلني أمارس مهاراتي في علم النفس والتربية الخاصة فأشعر بالسعادة والثقة وفي كثير من المرات ألاحظ بعض التغيرات النفسية وصعوبات التواصل مع بعض الأطفال، فأتواصل مباشرة مع عائلتهم لأخبرهم بحالة الطفل، وأساعدهم في التعامل معها وربما أستمر في معالجتهم ليصبحوا في وضع أفضل.
أتمنى أن تتاح لي فرصة اكمال الماجستير في مجال التربية الخاصة لأن شغفي لا يتوقف إلى هذا الحدّ بل بالعكس تماماً يمتد معي يوماً بعد يوم.