كهرباء العائلة المشتركة: تقطع أواصر الأخوة  أحياناً  

كهرباء العائلة المشتركة: تقطع أواصر الأخوة أحياناً  

تتجدد الخلافات بين المواطن سليم أبو مصطفى وإخوانه الذين يقطنون معاً في عمارةٍ سكنية مكونة من خمسةِ طوابق تستمد الطاقة الكهربائية من شركة كهرباء غزة عن طريق خطٍ اشتراك واحد مسجل باسم الأب منذ نشأة العقار. 

وينشب الخلاف الدوري بين الأخوة نتيجة عجز ثلاثة منهم عن تسديد حصتهم في فاتورة الكهرباء، مقابل قدرة اثنين منهم على فعل ذلك. وعلى ضوء ذلك تقوم شركة الكهرباء بقطع خط الاشتراك بين الحين والآخر نظرا لتراكم المستحقات على كاهل الأسرة.

يدفع سليم وأخيه المقتدر ماليًا في معظم المرات المبلغ المُستحق عن الجميع ولكن هذا الأمر يفوق قدرتهم الماديّة إذ إنَّهما يعملان موظفين حكوميين ويتقاضيان ما نسبته 60% من قيمة الراتب، وهي نسبة بالكاد تكفي لتغطية متطلبات الحياة، وتسديد أقساط رسوم الدراسة الجامعية للأبناء.

يتزامن هذا العجز الذي يعانيه الموظفون الحكوميون، مع ازدياد مطرد في نسبة الفقر بالقطاع بلغت 50% ما يعني أن نصف المجتمع يعاني ظروفا معيشية صعبة، فضلاً عن أن أكثر من 80% من السكان يعتمدون على المساعدات الإنسانية، وفق تقديرات المنظمات الدولية. 

يقول سليم وهو أب يعيل 6 من الأبناء لـ "آخر قصّة": "نعاني من هذه المشكلة منذ سنوات، وفي كل مرة يقوم موظفو شركة الكهرباء بقطع خط الكهرباء بعد إنذار الأسرة، ولأنّ أبنائي من فئة الطلبة فهم يحتاجون وصول التيار على مدار الوقت من أجل الدراسة، عدا عن تحملي عناء تكاليف خدمة توصيل الكهرباء المشغلة بالمولدات الكهربائية الاستثمارية، خلال فترة انقطاع التيار الكهربائي الذي يستمر إلى ثماني ساعات في أحسن أحواله".

وللخلاص من واقع المشكلة الأسرية التي تسبب بها خط الكهرباء، يقول أبو مصطفى إنه ينوي التقدم بشكوى إلى شركة الكهرباء من أجل إنهاء معاناته، حتى لو كلفه الأمر حد القطعية مع إخوته المتخلفين عن دفع المستحقات التراكمية لفاتورة الكهرباء.  

هذه واحدة من العائلات الممتدة والتي أصبحت تعاني القطيعة بين أفرادها نتيجة عدم قدرة بعضهم أحياناً على تسديد قيمة فاتورة الكهرباء الشهرية، علماً أن التيار الكهربائي لا ينتظم أكثر من ثمان ساعات يومياً مقابل ثماني ساعات قطع بسبب أزمة الكهرباء التي يعانيها القطاع منذ 17 عاماً ولا يزال. 

ويحتاج قطاع غزة نحو 600 ميغاوات من الطاقة الكهربائية لتغطيّة احتياجاته الأساسيّة، فيما أن قيمة الطاقة المنتجة يُعادل ثلثي الاحتياج إذ تصل إلى 250 ميغاوات فقط.

رغم تزايد هذه المشكلات إلا أنَّ شركة كهرباء غزة يَصعُب عليها التدخل بين العائلات، وفقًا لمدير العلاقات العامة في الشركة محمد ثابت الذي أكّد على أنَّ هذا النوع من المشاكل يتكرر خاصّة في المناطق الشعبية التي تسكن فيها الأسر الممتدة.

وأوضح ثابت في سياق حديثه لـ"آخر قصة"، أنَّ لكل مشكلة خصوصية وطريقة للتعامل ولا يمكنها الحكم عليهم ظاهريًّا.

وعلى نحوٍ قريب من مشكلة سليم أبو مصطفى وإخوانه يُواجه الستيني أبو حسام الذي يعيش مع اثنين من إخوانه في مسكن واحد، ذات القضية، غير أنَّ الرجل يشتكي من تهرب شقيقيه من الدفع المستحق على كاهلهما دون وجود مسوغ قانوني يلوم أيًا منهما.

ويسجل خط الكهرباء الواصل إلى مسكن العائلة، باسم أبو حسام الذي يوزع وقته بين غزة والخارج حيث يقيم هو وعائلته،  ولم يُعفه سفره المُتكرر وعدم مكوثه في المنزل لفتراتٍ طويلة من التسديد.

ووجد الرجل نفسه مضطرًا لتسديد الفواتير نيابةً عن إخوته الذين لم يُسدّدوا طِوال فترة غيابه التي تجاوزت العام، مُتنصلين من دورهم باعتبار أنَّ الفواتير مُسجلة على اسم أخيهم وهو الوحيد المقتدر ماليًّا بينهم، كما قال.

على أثر ذلك، نشب خلاف بين الأشقاء الثلاثة، وفي ظل العجز عن الوصول إلى حل، اهتدى أبو حسام إلى بيع شقته وترك مسكن العائلة واستبدال خط الاشتراك باسم أخويه.

أما شركة الكهرباء فتقدم حلول مختلفة لمثل هذه المشكلات بين الأسر، أبرزها تقسيط المبلغ المتراكم على مدار فترات متوالية حسب حجم المبالغ المتراكمة وبخاصة إذا ما ثبتت قدرة الأسر المشتركة في الخط الواحد على السداد، وفق قول ثابت. 

وهناك حلًا أخيرًا تضطر الشركة اللجوء إليه عندما تتأكد من تقاعس بعض العائلات على التسديد، ويشرح ثابت لـ "آخر قصَّة"، "نلجأ في هذه الحالة إلى قطع الخطوط عن تلك الأسر نتيجة الإهمال والمماطلة والشعور بعدم الجدوى مقابل الاستهلاك المفرط".

في تلك الحالة، تُنذِر شركة الكهرباء الأسرة قبل قطع الخط عنها عدة مرات، وفقًا لثابت الذي أفاد بأنّ أول هذه الإنذارات هي استلامهم الفاتورة التي تعد بحدّ ذاتها إخطارا قانونيا موضحا فيه حجم التراكمات غير المدفوعة.

ويلي ذلك إنذارا للعائلة من خلال العاملين الميدانيين في شركة الكهرباء، بينما أفاد ثابت أنّ الشركة تمتنع عن قطع أيّ خط كهربائي وفق قوانينها إذا ثبت لها أنَّ العائلة بلا معيل وليس لديّها أيّ مصدر دخل تعتمد عليه.

وتلعب لجان العشائر دورا هاما في حل مثل هذه المشاكل التي تنشأ داخل العائلات والأخوة، حيث أوضح المختار أبو سلمان المغني أن ما نسبته 15% من المشاكل تصل حول موضوع خطوط الماء والكهرباء المشتركة. 

وأفاد المغني بأنّ المشكلات تبرز عند رفع شركة الكهرباء دعوة على العائلة التي تراكمت عليها مبالغ طائلة لم تسدد، وهنا يقع الشقاق بين الإخوة حول من يدفع المبلغ وكيف سيتم تقسيمه، وكذلك في حال بيع العمارة السكنية التي يسكنها الإخوة أيضاُ بخط كهرباء مشترك، فيجب عليهم قبل البيع تسديد كافة ملحقاتها المادية العالقة، وعليه تتدخل لجان العشائر للفصل في هذه القضايا.

كما أوضح أنه يتم حل المشكلات المتعلقة ببيع العمارات السكنية وعدم توفر المال لتسديد متراكمات الكهرباء، بأن قيمة المتراكمات يتم استقطاعها من قيمة البيع، ويتحملها الشركاء في البيت الواحد. 

وأشار المغني، إلى أنه في حالة النزاع الداخلي يتوجه آحيانا رجال العشائر إلى شركة الكهرباء ويطلبون كشوفات بالمستحقات المتراكمة، ومن ثم تقوم بتقسيم قيمتها على الإخوة، "حسب أعداد كل أسرة حتى لا يتعرض أي منها إلى ظلم"، على حد قوله.

وأشاد المختار بتعاون شركة الكهرباء لحل مثل هذه القضايا، وكذلك محاولتها تقليص قيمة المبلغ المستحق وخصمه لنسبة تصل أحياناً لـ 60%، مؤكداً أن الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها سكان القطاع وقلة ذات اليد هي السبب الأول لنشوب مثل هذه الخلافات.