هل تعلم: ربع مليون عاطل عن العمل في غزة

منهم من يعمل بلا حقوق

هل تعلم: ربع مليون عاطل عن العمل في غزة

خلقت الظروف الاقتصادية في قطاع غزة وارتفاع معدل البطالة وما نتجَ عنه من ازدياد نسبة الفقر، حالة من الفوضى والصراعات الاجتماعية، تمتد لمُختلف الشرائح في سبيل الحصول على فرص عمل في القطاع، وفقًا لمختصين .

الكثير لم ينالوا شهادة علمية ويعملون كعمال في قطاعات مختلفة منها الزراعة والتعدين والبناء والتجارة والنقل، وغيرهم خريجين لم يحظوا بفرصةٍ مناسبة فهذه خريجة تعليم أساسي تعمل سكرتيرة في عيادة طبيب، وآخر خريج هندسة مدنية يعمل سائق سيارة أجرة.

ومن المُضحك المبكي أن يتقارب عدد العاطلين عن العمل في قطاع غزة المُقدّر بـ (239 ألف شخص) بعدد العمال أنفسهم وهو (285 ألف عامل) وفق بيانات استعرضتها رئيسة الإحصاء الفلسطيني علا عوض خلال اليوم العالمي للعمال وهو الأول من أيار.

فارس خليل (40 عامًا) خريج ثانوية عامة وهو أبٌ لستة من الأبناء يعمل على مركبة نقل "توكتوك" تبرعت له بها إحدى المؤسسات الخيرية، يعمل عليها بشكلٍ موسمي للنقليات بأسعارٍ مخفضة لكنه يُعاني حالة عوز وفقر شديد نتيجة تزاحم متطلبات أسرته مقابل مدخوله الشحيح.

ويستخدم خليل مركبته في تخزين البضائع إذ يعمل في المواسم على بيع بعض الأحذية في سوق مخيم النصيرات وسط قطاع غزة على نحوٍ ليس قريب من مكان سكنه في منطقة جحر الديك التي تُعد راكدة اقتصاديًا مقارنة بالنصيرات.

لكن الرجل الذي يُخزن في مركبته تلك البضائع أحيانًا يضطر في كثير من أحيانٍ أخرى للعمل عاملًا في المحال التجارية عندما لا يتوفر لديه الدخل الكافي لشراء بضائع جديدة إذ تذهب بعض مبيعاته في علاجات اثنين من أطفاله يعانون مرض "الصرع" والكثير منها تذهب مصروفات منزلية.

ويحظى خليل بفرص عمل مؤقتة في المحال التجارية في المواسم كالعيدين "الفطر والأضحى" وبدء العام الدراسي وغيره، وهو واحد من (285 ألف) عامل يعملون في قطاعاتٍ مختلفة داخل قطاع غزة.

 

على نحوٍ مختلف إلى حدٍ ما وجدَ بلال جهاد (23 عامًا) نفسه يقفُ في طابورٍ ممتد للبطالة بعد حصوله على بكالوريوس هندسة معماري وحلمه بالسفر إلى الخارج لمواصلة دراساته العليا في المجال ذاته وبعدما اجتهد في التقديم لعددٍ من المنح الدراسية لم ينل أيّة واحدة منها.

قال بلال لـ "آخر قصّة"، "لا أستطيع تقبل شكل الحياة بعد التخرج بلا عمل فقد كنتُ منكبًا على الدراسة خلال سنوات البكالوريوس ولدي شغف بمواصلة الماجستير أما اليوم فقد اضطررت للعمل في أحد محال بيع الأدوات الكهربائية لأستطيع توفير مصروفي اليومي على الأقل".

ويخرج الشاب من مكان سكنه في دير البلح وسط قطاع غزة إلى مدينة غزة حيث شركة الأدوات الكهربائية التي يعمل فيها يوميًا منذ الصباح وحتى ساعات المساء مُقابل دخل أسبوعي يُقدر بـ "100 شيكلا"، وهو على حاله هذا كغيره من الشبان في مختلف المحافظات.

وسجلت دير البلح مسقط رأس بلال، أعلى معدل بطالة في قطاع غزة وصل إلى 55%، بينما وصل في خانيونس جنوب القطاع إلى 49%، وحظيت محافظات شمال غزة بأقل معدل وهو 38%، فيما لم تورد بيانات أخرى تتعلق بباقي المحافظات ضمن التقرير السنوي الذي صدر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في يوم العمال.

لا تتوقف أحوال الشبان العاملين أو العاطلين عن العمل عند ضعف توفير متطلباتهم الأساسية؛ بل تمتد في الكثير منهم ممن لا يتوفر لديهم مصدر دخل منتظم إلى تداعياتٍ كارثية على أحوالهم الاقتصادية والنفسية وغيرها.

ويرى الشاب العشريني بلال أنّ راتبه لا يُلبي إلا جزء بسيط من احتياجاته ويقول إنّ الأجور اليومية التي أقرّها القانون الفلسطيني غير مُطبقة على واقعِ الفرص في القطاع ولا تتلاءم مع متطلبات واحتياجات الشباب وأسرهم.

يتحدث الشاب عن نحو (20 شيكلًا) يتقاضاها يوميًا إزاء عمله وهو مُقابل زهيد مقارنة بالحدّ الأدنى للأجر (1.450 شيكلًا) في فلسطين، إلا أنّ زهاء 81% من المستخدمين بأجر في القطاع يتقاضون أجرًا شهريًّا أقل من ذلك وبمعدل قدره (655 شيكلا).

وحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فقد هبط معدل الأجر اليومي الحقيقي للمستخدمين بأجر في القطاع الخاص في قطاع غزة، من عام 2015 إلى 2022، نحو عشرة شواكل، إذ كان (48.6) شيكل في 2015، وانخفض إلى (38.2) شيكل في 2022؛ مما يُشير إلى استمرار تردي الظروف الاقتصادية.

 

يُعد القطاع الخاصّ حيثُ يعمل بلال وزملائه، أحدّ أكثر القطاعات تشغيلاً مقابل العمل في القطاع الحكومي أو داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة أو ما يُسمى بـ "إسرائيل"، وهم جزء من (140 ألف) مُستخدم بأجر من قطاع غزة.

غير أنّ ساعات العمل التي يقضيها هؤلاء الشباب والتي تُقدّر بنحو 8 ساعات يوميًا لا تختلف كثيرًا عما يقضيها قُرنائهم في القطاع العام إذ وصل عدد ساعات العمل في الأول إلى 43 ساعة أسبوعية، مقابل 39 ساعة أسبوعية في العام.

 

وتتوزع النسب ما بين القطاعات الثلاثة من 54% لصالح القطاع الخاصّ، و24% يعملون في القطاع الحكومي، وعلى نحوٍ قريب منهم يُقدّر بـ 22% يعملون في "إسرائيل والمستعمرات" إذ حصل 19 ألف شخص من غزة على تصاريح للعمل في إسرائيل مؤخرًا، وفق تصريحات وزارة العمل.

فؤاد حمدي (34 عامًا) من أولئك العاملين في القطاع الخاصّ أيضًا وهو حاصل على دبلوم تطوير مواقع ويب، ويعمل في مجاله بأحد المكاتب ذات الصلّة، إلا أنّه يقول "منذ بداية عملي قبل نحو 7 سنوات لا أذكر أننا وقعنا عقود عمل أنا أو أحد زملائي".

ويتقاضى حمدي راتبٍ شهري كان يصل إلى نصف المُقدر للحدّ الأدنى للأجور وبدأ يزيد بعد مُطالباته بذلك على مدى أعوام حتى أصبح حديثًا يُقارب الحدّ الأدنى، لكن تخوفاته من عدم توقيعهم عقود عمل يجعله يُفكر بأنّه لن يحصل على مكافأة نهاية خدمة في حال توقف عملهم الذي يتذبذب عامًا تلو الآخر.

حمدي هو واحد من أصل (294 ألفًا) عامل مستخدم بأجر في القطاع الخاصّ يعملون دون عقود عمل، وغيرهم (90 ألفًا) آخرون يعملون بعقودٍ مؤقتة، فيما يحظى عدد أقل يُقدّر بـ (83 ألفًا) على أعمال بعقود عمل دائمة.

وعلى الرغم من حدوث انخفاض شحيح على معدل البطالة في غزة ما بين عامي 2021 و2022، إذ هبط من 47% في الأول إلى 45% في العام التالي؛ إلا أنَّ ذلك لم يُغيّر كثيرًا من واقع الحال للكثير من الشبان في هذه المدينة التي يُقاسي سكانها أشكالاً متعددة من الظروف الحياتية المتردية.

 

وأثرت هذه المعدلات على أنماط الحياة في هذه المدينة التي يضطر شبابها للهجرة لتحسين ظروفهم أو القبول بواقع عُمالي سيء لا يرقى لمهاراتهم وشهاداتهم أو حتى لتوفير أدنى متطلبات معيشتهم.