من تركيا حيث تُقيم هدى السعدي حاليًّا، بدأت أولى خطواتها عبر "انستغرام" لبيع منتجاتها الطبيعية المتعلّقة بالعناية بالجسم والشعر والبشرة والجمال لسيدات قطاع غزة عن بُعد.
تقول الفتاة العشرينية لـ "آخر قصّة"، "الفكرة بدأت بكوني مدونة عبر منصة (انستقرام) وأقدم محتوى مدعم بالمعلومات تستفيد منه السيّدات ومن هنا خطر في بالي أن أُقدِم لهم منتجات أستثمر فيها مكاني على المنصة وأفيدهم بها".
لم تعتمد السعدي على الحظ في مشروعها بل درست خصائص السوق في كلٍ من قطاع غزة وتركيا، وبدأت التفكير في الفئات التي تستهدفها وخصائصهم واحتياجاتهم فوقع الاختيار على منتجات العناية الطبيعية.
وهكذا وظفت هدى خبرتها في التسويق للعمل على دعم مشروعها الذي استدانت رأس ماله لمدة عام كامل حتى استطاعت توفير هامش ربح يحقق لها الرضا والاكتفاء بالرغم من صعوبات الشحن التي تنتقل من تركيا إلى الضفة الغربية، حسبما قالت.
وشجعت الزيوت و"الكريمات" التي تعرضها هدى للبيع والمُرخصة من وزارة الصحة التركية الزبائن على طلبها واستخدامها خاصّة أنّها أساس في حياة شريحة كبيرة من السيدات والفتيات اللواتي عبروا عن رضاهم عن منتجاتها.
"المستحيل وهم" هكذا عبرت هدى وهي تستذكر تلك اللحظات التي بدأت فيها مشروعها في الغربة عندما حذرها الكثيرين من الاستمرار فيه بعبارات ملؤها التثبيط والتحبيط، لكنها آثرت المُضي قُدُمًا كيلا يكون الفشل رفيقها.
هدى واحدة من عشرات الفتيات اللواتي قررن استثمار حياتهن في الغربة بعدما غادروا قطاع غزة، بمشاريع تستهدف غزة عبر بيعها عن بعد، وغيرهن ممن نجحن في افتتاح مشاريع في محيطهن تعكس نكهة البلاد وتراثها الفلسطيني.
ومن تركيا حيث تُقيم هدى إلى مصر "أم الدنيا" انطلقت سلوى ذكي في أحد الأحياء المصرية بمشروعٍ خاصّ بالأكلات الفلسطيني، تقدم فيه أشهى الأطباق التي تُسوق بها لإرث البلاد، من المقلوبة إلى المسخن فالمنسف وغيرها من الأصناف.
"بدأت قصتي خلال فترة الإغلاق في ظلِّ وباء كورونا عام 2020، عندما تعطل زوجي عن العمل، ما اضطرني لابتكار حلّ مناسب يُخرِج العائلة من مأزقها المادي ففكرت في أكثر ما أُجيد وكان الطبخ الفلسطيني"، تقول ذكي.
من مطبخها المنزلي انطلقت سلوى لتُحقق بعد عدّة شهور رواجًا ملحوظًا تنفست خلاله الصعداء عندما استطاعت تدبير مصاريف المنزل والأطفال التي لا تكاد تنتهي، وذلك عبر شاشة هاتفها المحمول حيث حساباتها المتواضعة في الشبكات الاجتماعية التي ساعدتها في الترويج لمأكولاتها.
وكانت أظهرت إحصاءات عالمية أنَّ عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي وصل إلى 2.56 مليار مستخدم عالمي عبر الهاتف المحمول، أيَّ ما يُعادل 34% من سكان العالم، إذ يُضاف مليون مستخدم نشط جديد عبر الهاتف المحمول يوميًا.
تبتسم ذكي وهي تتحدث لـ "آخر قصّة"، "ساعدتني مقاطع الفيديو المنتشرة عن أكلاتنا الفلسطينية، ووجدت أن الجميع هنا يريد تجربة المقلوبة والمسخن عدا عن السماقية والمفتول والكثير من الأكلات التي أحبّها الشارع المصري خاصّة عندما صُنعت بأيدٍ فلسطينية".
لكن سلوى واجهت بعض الصعوبات، منها عدم توفر البهارات الفلسطينية حيث تُوجد فتضطر لطلبها من القادمين نحوها، إضافة إلى ما شكّلته المسافات الكبيرة بين المحافظات من عائق في توصيل منتجاتها رغم تزايد الطلبات.
وبجانب أفكار هدى وسلوى ومشاريعهن الريادية كان لإسراء المدلل وزوجها محمد الزهارنة مشروع مختلف في إسطنبول حيث يُقيما، عندما قرروا افتتاح أول مصنع قهوة فلسطينية في تركيا باسم "قهوة مريم".
تقول مسؤولة التسويق الرقمي لشركة "مريم" حنان أبو زيد لـ "آخر قصّة"، إنّ فكرة المشروع خرجت عام 2020 عندما انقطع وصول البن من قطاع غزة لعائلة اسراء؛ لتلمع فكرة صناعته في تركيا وبذات الجودة وبخلطة تُجلب من مزارع كولومبية وهندية وبأيدي خبراء مختصين.
مراعاةً للذوق العام واختلافه في تركيا التي تجمع العديد من الثقافات، وكون قهوة مريم هي أولى قطرات الغيث التي وصلت للمغتربين الفلسطينيين، تنتج الشركة عدة أنواع قهوة منها ما هو بالهيل أو بدونه، وفلتر اسبريسو، وأخرى عثمانية إضافة إلى الكبسولات؛ لتغطي كافة متطلبات السوق العالمي.
هكذا من فكرة بسيطة استطاع منتج قهوة مريم اختراق العالم؛ ليصل اليوم إلى 13 دولة حول العالم، بحسب أبو زيد، التي أفادت بأنَّ هذه القهوة تصل لأمريكا وأوروبا والسعودية وقطر والبحرين وليبيا والكويت وغيرهم.
كما دعمّت الشركة وجود منتجها الرئيس "القهوة" بافتتاح أول مقهى يدعى "باشاك" عام 2021، الذي يُقدم بجانب القهوة الحلويات الفلسطينية الشهيرة كالكعك والمعمول وغيرها.
ومن المضحك المبكي أن هذه القهوة الفلسطينية الأصل قد لفت العالم ولم تستطيع الوصول إلى فلسطين إلا بشقّ الأنفس، تقول أبو زيد، "لم تصل قهوتنا لأسواق غزة والضفة بسهولة نتيجة الضرائب المفروضة من قبل عدّة جهات؛ الأمر الذي أثر على سعر وصولها للمستهلك".
وبصفحات عبر منصات التواصل الاجتماعي استطاعت "قهوة مريم" الانتشار كما أصبحت اليوم تطلب من خلال المقاهي أو عبر نقاط الكترونية مخصصة للبيع، كما أضيف على المنتجات السابقة صناعات أخرى يدوية أُنتِجت بحب وعناية، منها الأكواب السيراميك والغلايات النحاسية التي تحمل عبق التاريخ وذكريات البلاد في الغربة.