معلّقون بقشة: هذا ما فعله الحصار بالناس

17 عاما من الحصار

معلّقون بقشة: هذا ما فعله الحصار بالناس

لم يتمكن الشاب الفلسطيني محمد حمدان (25 عامًا)، من الحصول على وظيفة في القطاعين الحكومي والخاص، وعلى أثر ذلك اضطر للعمل مع مجموعة من رفاقه في مهنية التحطيب. ويقول إنها مهنة شاقة لكنه لا يجد فرصة أخرى كي يحصل من خلالها على أجر يومي.

وبصرف النظر عن عدم قانونية اجتثاث الأشجار، وتلك هي عملية يومية يؤديها حمدان رفقة عمال آخرين يحملون مناشير كهربائية، لكنه يرى أن هذا العمل بإمكانه أن يمنحه فرصة لإعالة أسرته المكونة من سبعة أفراد، وبخاصة بعد وفاة والده.

في المقابل، لم يجد الآلاف من الخريجين الفلسطينيين في قطاع غزة، فرصا للعمل في أي من الوظائف أو الحرف، نتيجة لمحدودية الموارد التي فرضها الحصار الإسرائيلي على القطاع للعام السادس عشر على التوالي:

ليس الخريجون وحدهم الذين يعانون في ظل الحصار، إذ أن العمليات العسكرية الإسرائيلية على القطاع على مدار ستة عشر عاماً قد أدت إلى فقدان الآلاف من الأسر لأبنائها، فضلا عن الخسائر الاقتصادية التي حلت بهم وبممتلكاتهم.

تقول السيدة أحلام السقا إن بيتها وعشرات البيوت الأخرى المدمرة من جراء العدوان الأخير على القطاع، لم تعمر إلى الآن رغم وجود وعود ومال مخصص لإعادة الإعمار.

وأشارت السقا التي فقدت بيتها في عدوان العام 2021، إلى انها وغيرها من المتضررين يسمعون بشكل دوري عن وجود دخول أموال الإعمار وقرب إعلان صرفها، ولكن دون جدوى.

وشددت على أن من حق أصحاب البيوت المدمرة ان تنتهي معاناتهم وأن ينعموا ببيوت هانئة مستقرة، وأن تعمل المنظمات الدولية والإنسانية على تطبيق هذا الحق.

 

في سياق آخر، يعاني الفلسطينيون على مدار عقد ونصف من أزمة إنسانية خانقة تتعلق بإغلاق المعابر الحدودية، والتحكم المقنن لحركة البضائع والأفراد.

واشتكى المواطن الفلسطيني أيوب صالح من تعمد الاحتلال الإسرائيلي رفض إصدار تصريح خروج لابنه الذي لم يتجاوز الـ14 عاماً، والذي يعاني من مشاكل في الجهاز الهضمي منذ ولادته وتفاقمت مع مرور الوقت، حيث يعاني الطفل من ظروف صحية صعبة انعكست سلباً على الأسرة التي باتت مكتوفة الأيدي لصعوبة إيجاد حلول تخفف من خلالها أوجاع طفلهم المريض.

وتتعامل إسرائيل مع الحالات المرضية في غزة بنظام معالجة طلبات الحصول على التصاريح التي تفرضها دولة الاحتلال لمرور المرضى، وهو شكل من أشكال التمييز الذي يهدد حياتهم ويعمل على ابتزازهم، في حين إن غالبية مرضى غزة، يعتمدون على مستشفيات شرقي القدس المحتلة والضفة الغربية والداخل المحتل لتلقي العلاج وإجراء العمليات غير المتوفرة في القطاع.

في أغسطس 2022، حظرت سلطات الاحتلال تسويق الأسماك من قطاع غزة إلى الضفة الغربية لأكثر من ثلاثة أسابيع، وأتلفت 13 طنًا من الأسماك استولت عليها من شاحنة.

وبهذا الإجراء تزيد معاناة الصيادين والمزارعين الذين يواجهون بين الحين والآخر تعقيدات تتعلق بالحرمان من التصدير، الأمر الذي يكبد العديد منهم خسائر كبيرة، سواء كان ذلك في قطاع الصيد أو الزراعة.  

في السياق نفسه، عبر زكريا بكر المختص في شؤون الصيادين بغزة، عن استياءه من تزايد وتيرة الاعتداءات الاسرائيلية على الصيادين الفلسطينيين، مشيرا إلى أن قوات البحرية الاسرائيلية زادت من كثافة انتشارها على سواحل غزة ومع هذا الانتشار زادت الاعتداءات.

وأشار بكر إلى أن قوات الاحتلال اعتقلت العشرات من الصيادين خلال العام المنصرم 2022، فيما تصادر بشكل دوري القوارب وتدمر أخرى. وقال: "كنا سابقا نوثق الانتهاكات مرة واحدة يومياً، غير أننا اليوم نرص عشرات عمليات إطلاق النار باتجاه مراكب الصيادين الفلسطينيين في عرض بحر غز".

واقع الخدمات الصحية:

في بهو قاعة الانتظار الصغيرة في العيادة الخارجية بمستشفى الأقصى وسط قطاع غزة، تُرافق منال أبو صواوين والدها السبعينيّ، منذُ ساعاتِ الصباح الباكر وهو أحد كبار السنّ الذين يُشكّلون ما نسبته 5% من إجمالي سكان قطاع غزة حسب إحصائية مركز الإحصاء الفلسطيني لعام 2020. فيما تعتبر مستشفى الأقصى هي الوحيدة بين أربع مخيمات ذو كثافةٍ سُكانية عالية وهم، مخيم البريج، النصيرات، دير البلح، المغازي.

تقول منال: "لولا الحاجة لما اضطر هؤلاء المسنون المجيء والانتظار لساعات طويلة من أجل تلقي العلاج، كما أننا ننتظر هنا مرة ومرتين في اليوم الواحد، فعندما يطلب الطبيب تحاليل أو أشعة، نذهب لإتمامها ونعود من جديد لطابورٍ آخر قد يمتد ساعات أخرى للدخول إلى الطبيب لكتابة العلاج التي لا تأخذ دقائق محدودة".

ويُحال العديد من المرضى بعد الانتظار ليومٍ كامل، إلى العودة في الأسبوع المُقبل بعد اكتفاء الطاقم الطبي بعددٍ مُحدد نتيجة الاكتظاظ الكبير في القاعة، حال يعاني منه معظم مشافي قطاع غزة، الذين يواجهون عجزا في الكادر الطبيعي وعدد الأسرة ونقص العلاجات اللازمة.

 

 

نسب تراجع خدمات القطاع الصحي بعد الحصار والتضييقيات المستمرة

 

وبعيداً عن الأزمات التي يعانيها المواطنين جراء تراجع مستوى خدمات القطاع الصحي، فإن أزمة الكهرباء لا تزال تلقي بظلال سلبية على الحياة اليومية لسكان قطاع غزة.

المريض محسن حمد (57 عاماً) والذي يعاني ضيقا في التنفس، قال إنه يعيش اعتمادا على جهاز الأكسجين المشغل بالكهرباء، وعندما ينقطع التيار الكهربائي تزداد معاناته.

يشير الرجل بيده إلى جرة اكسجين فارغة تقف إلى جوار سريره ويقول: "ليس بالإمكان العمل على تعبئة هذه الأسطوانة لأن تعبئتها بحاجة إلى تكلفة باهظة وأنا رجل اعتمد على المعونة المادية التي تقدمها وزارة التنمية الاجتماعية، لذلك اعتماد على الجهاز المشغل بالكهرباء، وليس بمقدوري شراء وحدة طاقة تمكنني من تشغيله".

وأضاف الرجل صاحب الوجه الشاحب: "استمرار هذه المعاناة منذ وقت طويل، ولكن الصحة لم تعد تسعفني كما السابق، لذلك يجب وضع حد لإنهاء معاناتنا نحن المرضى على وجه الخصوص مع انقطاع التيار الكهربائي الذي تزيد مدة انقطاعه في فصل الشتاء".