عجز إسكاني وانفجار سكاني يُفاقمان مشكلات الأفراد

عجز إسكاني وانفجار سكاني يُفاقمان مشكلات الأفراد

لم يجد محمد اسعد (37 عاماً) بداً من إقامة مسكن على أرض حكومية بمساحة لا تتجاوز 30 متراً، وإن كان هذا الأمر يشكل تجاوزاً على المستوى القانوني، لكن الرجل يقول إنه لا يقوى على شراء بيت أو استئجار آخر، بفعل تردي وضعه الاقتصادي نتيجة تعطله عن العمل.

وباشر محمد الذي يعيل أسرة مكون من أربعة أفراد في بناء مسكنه المقام على الحدود الشمالية الغربية للقطاع، بعدما جمع له الكثير من الأعمدة الخشبية وألواح الصفيح المثقب، وعند بناءه قام بتغطية نوافذ بيته المتهالك بقطع القماش والنايلون.

محمد واحد من مئات الأسر التي تعيش في مساكن ضيقة تنعدم فيها وسائل الراحة والاستقرار، وتفتقد إلى المنافع الأساسية، وذلك نتيجة العجز القائم في الوحدات السكنية الذي يعانيه قطاع غزة.

ويقدر المدير العام للإسكان في وزارة الأشغال العامة والإسكان، محمد العسكري، العجز بأكثر من 100 ألف وحدة سكنية، مشيراً إلى أن القطاع بحاجة سنوية إلى 14 ألف وحدة سكنية، وذلك لمعادلة النمو الديمغرافي الحاصل.   

وعلى ذكر النمو الديموغرافي، فقد أظهر تقرير وزاري صادر من قطاع غزة أنّ عدد السكان تجاوز المليونين و375 ألفً نسمة، يقيمون ضمن حدود مساحة تُقدّر بـ 365 كم²، وذلك حتى نهاية العام المنصرم 2022؛ وبحسبِ "العسكري" فإنَّ نصيب الفرد الواحد في هذه البقعة الجغرافية هو 145 م² من الإسكان والساحة والترفيه والصحة والتعليم والصناعة والتجارة، وهي وفق قوله مساحة محدودة جدًا وغير كافية.

وتفتح هذه النسب والتقديرات بابًا للتساؤل عما يُمثله عدد السكان مقابل المساحة من انعكاسات على ظروف معيشة الأفراد وفرص العمل والمساحات الخضراء وغيرها من أنماط الحياة في قطاع غزة؟ 

وللاطلاع على الفئات الأكثر تضررًا من هذا الانفجار السكاني فإنّ تقرير وزارة الداخلية في قطاع غزة، قد قسّم النسب ما بين الذكور والإناث إلى 50.7% ذكورًا وبعدد 1,204,986 شخص، مقابل 49.3 إناثًا وبعدد 1,170,273 أنثى.

يظهر التقرير نسب التوزيع بين محافظات القطاع الخمس، فكان النصيب الأكبر لمحافظة غزة إذ بلغ 893 ألفاً و932 نسمة، تلتها خانيونس بمجموع 463 ألفاً و744 نسمة، ثم جاءت محافظة شمال غزة في المرتبة الثالثة بمجموع 388 ألفاً و977 نسمة.

كما جاءت في المرتبة الرابعة من حيث عدد سكان محافظة الوسطى بمجموع 331 ألفاً و945 نسمة، وأخيرًا شهدت محافظة رفح العدد الأقل من عدد السكان بإجمالي 296 ألفاً و661 نسمة.

بدوّره، نبّه الأكاديمي المختص في التخطيط العمراني والإقليمي بقسم الجغرافيا في الجامعة الإسلامية، رائد صالحة إلى أنّ زيادة عدد السكان مطردة في القطاع وقد تصل إلى 4 مليون نسمة في حال لم يكن هناك حلولًا تحدّ من الكثافة السكانية التي تُسبب كوارث بيئية وصحية كذلك، حسب تأكيده. 

وبطبيعة الحال فإنّ الزيادة في عدد السكان هي زيادة طردية في نسب البطالة والفقر، وفقًا لصالحة، إذ بلغ عدد العاطلين عن العمل في قطاع غزة 223 ألف شخص بمعدل بطالة وصل إلى 45%، ومعدل فقر 59%، ما يشي بمخاطر حقيقة على الإنسان والحياة في القطاع.

بالإضافة إلى تلك المخاطر، قال صالحة لـ "آخر قصة" إنّ هناك العديد من المشاكل في البني التحتية الناجمة عن عمليات القصف الإسرائيلي المتكررة خلال العدوانات المتلاحقة، والتي لم تقم الجهات المعنية بحلّها حتى اللحظة، إلا أنّه قدّم بعض الحلول التي بإمكانها التخفيف من أزمة الكثافة السكانية الحاصلة وما يترتب عليها من مشكلات.

من هذه الحلول المُقترحة هو البناء الرأسي الذي بدوره يُحافظ على نسبة الأراضي الزراعية ويترك فسحة لتوفير أماكن ترفيهية وهو نظام مُتبع في كافة دول العالم، بحسبِ صالحة الذي اقترح أيضًا استغلال أسطح المباني في الزراعة للمحافظة على بيئة صحية سليمة والحدّ من التلوث الناجم عن الانفجار السكاني. 

وأمام الكثافة السكانية الملحوظة في القطاع كان لابد من التعرف على الدور المنوط بوزارة الحكم المحلي في الحدّ منها بحسب الخطط الموضوعة لحلّ الأزمة، فقالت مديرة دائرة التخطيط في الوزارة أمل محيسن، إنّهم يتابعون خطط التوزيع العمراني مع كافة بلديات قطاع غزة وهي 25 بلدية.

ووفقًا لما قالته محيسن لـ"آخر قصة"، فإن هذه الخطط تتمثل في إعداد مخطط إقليمي تنموي للعام 2038 تدرس الوزارة من خلاله التوسع العمراني وإعادة توزيع التجمعات العمرانية، وأضافت "نحاول عمل توازن بين التجمعات المكتظة والأخرى الخالية، فنستحدث مراكز فرعية حول التجمعات المكدسة بحيث تكون نقاط جذب تُشجِع التمدد العمراني فيها".

تحاول "الحكم المحلي"، حسبما أفادت محيسن، التشجيع على نظام الارتفاع الرأسي، وبذلك يتقاطع قولها مع ما أشار إليه "صالحة" من حلول للأزمة، ويأتي هذا النظام ضمن نظام الأبنية المعتمد لسنة 2020 وهو يحدد شروط البناء والتنظيم في كل المناطق بحسب الاستعمالات سواء كانت مناطق سكنية، سياحية، تجارية، بحيث يوجد لكل منطقة نمط سكني وارتفاعات ونسبة إسكان معينة.  

وحول الوقت المحدد لاعتماد المخطط وتنفيذ النظام، قالت محيسن: "تواصلنا مع البلديات وسيتم اعتماد المخطط خلال العام الحالي 2023 ومنه سنحدد مراكز عمرانية جديدة ونوجّه التمدد العمراني في هذه المناطق من خلال خطط تنمية تزود المناطق بمشاريع وخدمات وبنية تحتية ومشاريع استثمارية تعد نقاط جذب في هذه المناطق".

ومن الناحية العملية، يشير "العسكري" مدير عام الإسكان، إلى أن وزارته نفذت مجموعة من المشاريع لأجل أحياء المناطق الحدودية، مثل ما يعرف بمشروع "إسكان تيكا" و"التعاون"، بالإضافة لتطويرها شارع الرشيد الساحلي ضمن المنحة المصرية؛ وقال إن الهدف من ذلك هو إيجاد مساحات ترفيهية للسكان من خلال إقامة "الكورنيش" وتطوير الشريط الساحلي، بجانب دعمهم نقل كافة المنشآت الصناعية والحرفية إلى مناطق محاذية للمدينة، كما تعكف الوزارة على تطوير عشرات العشوائيات من خلال تطويرها بعدة طرق.

وأوضح العسكري أنّ وزارة الأشغال والإسكان، تسعى لجلب التمويل من أجل إقامة مشاريع إسكان في مختلف المناطق الحدودية لاستغلال المساحات غير المشغولة وتطوير البنى التحتية الخاصة بها، وأيّضًا تشجيع "الإسكان الأخضر" بما يعني زيادة المساحات الخضراء في كافة المشاريع الإسكانية التي تنفذ. 

لكن السؤال الذي يبقى عالقًا إلى أي مدى تساهم هذه الحلول في الحدّ من أزمة الانفجار السكاني؟، وهل يتطلب ذلك حلولًا جذرية أو تدخلات خارجية خاصّة في ظل استمرار حصار قطاع غزة وتفاقم مشكلات البطالة والفقر وتلوث المياه الجوفية وقيود السفر وغيرها؟.