الإجبار على المُرّ : ماذا لو كنتَ نادلاً في غزة؟

الإجبار على المُرّ : ماذا لو كنتَ نادلاً في غزة؟

يعملُ محمد النقلة (30 عامًا) نادلًا في أحدٍ مطاعم قطاع غزة، في ظروفٍ اقتصاديّة قاسية، فلا أجور مُرضية ولا بيئة عمل مستقرة أو آمنة، حسب وصفه.

اضطر الشاب النقلة إلى هذا العمل بعدما تخرج من إحدى فروع كليات الإعلام ولم يجدّ فرصة عمل، حاله حال 13,948 خريج وخريجة في القطاع. ويحوز على أجرٍ يومي لا يتجاوز العشرين شيكلاً _أي ما يُعادل 6 دولار_، مقابل عدد ساعات عمل تزيد عن 9 في اليوم. 

النقلة واحدٌ من أصلّ 1200 عامل في منشآت القطاع السياحي بغزة، حسب إحصاءات الهيئة الفلسطينية للمطاعم والفنادق، وغالبيتهم يعانون ظروفاً اقتصادية صعبة بفعل انعدام فرص العمل الناتج عن الحصار المفروض على القطاع منذ 15 عاماً. 

يبتسم النادل وهو يُقدم الوجبات للزبائن ابتسامة عريضة تخفي الكثير من واقعِ حياته، إذ قال في حديثٍ لـ "آخر قصّة"، "الأجر الذي أحوز عليه لا يكفي لسدّ احتياجاتي الأساسية خاصّة بعدما ألحّ عليّ الجميع بالزواج العام الماضي وسكنت في غرفة ببيت العائلة لعدم قدرتي على استئجار بيتٍ مستقل لوحدي".

ويعود شُح الرواتب في القطاع السياحي لأسباب قد ترتبط بواقع العمل ذاته، وفق ما أفاد به معين أبو الخير عضو مجلس إدارة الهيئة الفلسطينية للمطاعم والفنادق والخدمات السياحية.

وقال أبو الخير إنّ عمل هذا القطاع يعتبر موسميًّا ويبقى استقرار المنشأة مرهونًا بالواقع الاقتصادي العام في قطاع غزة، فيما يبلغ عدد المنشآت السياحية 1000 منشأة ما بين مطاعم وفنادق ومنتجعات ومكاتب سياحة وسفر وشاليهات ونوادي سياحية.

ولا تنسجم قيمة الرواتب التي يحصل عليها العاملين في القطاع السياحي مع ما نصّ عليه القانون الفلسطيني مع المادة (1) لقرار مجلس الوزراء رقم (4) للعام 2021، أن يكون الحدّ الأدنى للأجر الشهري في جميع مناطق دولة فلسطين وفي جميع القطاعات مبلغاً قدره (1.880) شيكلًا شهريًا، أما الحدّ الأدنى لأجور عمال المياومة خاصة العاملين إضافة إلى العمال الموسميين مبلغًا قدره (85) شيكلًا يوميًا.

لكن هذا القرار بقيّ حبرًا على ورق في قطاعِ غزة، وفقًا لما أكّدت عليه منسقة مركز الديمقراطية وحقوق العاملين منى رستم، والتي قالت إنَّ العاملين في قطاع المنشآت الخاصة يواجهون الكثير من الانتهاكات لحقوقهم أهمها أنّهم لا يُسجَلُوا في وزارة العمل كعاملين، إضافة لتعرضهم للفصل التعسفي، وضعف إمكانية حصولهم على إجازات، إلى جانب رواتبهم التي تقلّ عن الحدّ الأدنى وساعات عملهم المرتفعة.

 

إضافة إلى ما تقدم، تشير رستم إلى أنَّ المركز يقوم بدوره في التفتيش على المنشآت السياحية لضمان حقوق العاملين في القطاع السياحي ومحاولة رفع الوعي لدى العاملين من أجل المحافظة على حقوقهم إذ نتلقى منهم الكثير من الشكاوى في لقاءاتٍ توعوية نعقدها لهم.

وأمام ضياع حقوق الكثير من العمال لقاء كل تلك الانتهاكات في بيئة عمل ساءلت "آخر قصة" وزارة العمل عن دورها فتعذَر مدير دائرة شروط العمل في الوزارة حسين حبوش، بأنّ عدد مفتشي العمل لديهم "قليل" مقابل عدد المنشآت في القطاع الاقتصادي.

وقال حبوش إنّ عقد العمل غالبًا ما يكون شفهيًّا بين العامل وصاحب المنشأة ويتراضى الطرفين دون التوقيع على بنود وشروط للعمل تضمن حقوق كلٍ منهما، بيد أنّه أفاد بأنّ الوزارة رفعت ملف للأمانة العامة في مجلس الوزراء للنظر في الأجور المتدنية التي يتقاضاها الكثير من العمال.

وبالعودة إلى النادل "النقلة" فالأمر لا يقف عند شُح الراتب، حسبما قال، لكن طبيعة عمله كنادل أيضًا تُشكّل الكثير من الضغوط على نفسه، ومنها احتفالات أعياد الميلاد والمناسبات السعيدة التي يُقيمها الزبائن يوميًا ويضطر للمشاركة فيها كـ "الكومبارس" في المسلسلات للتصفيق بحرارة وسعادة فيما هو لا يذكر آخر احتفال عيد ميلاد أقامته عائلته المحدودة الدخل.

تلك الاحتفالات التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من أساسيات عمل المطاعم والمقاهي إذ يُقيمها الأشخاص في مختلف المناسبات لاسيما أعياد الميلاد والنجاح، ويطلب فيها الزبائن تحضير مفاجآة لأحدهم يحملها أحد العاملين وترافقها موسيقى صاخبة ومجموعة من النُدل يرسمون ابتسامة عريضة على وجوههم ويُؤدون واجب العمل الذي أصبح روتينيًا فيما هم تواقون لتحسين ظروفهم وتغيير أحوالهم للأفضل.

وحول هذه الضغوطات النفسية التي يعيشها النقلة وزملائه يوميًا، عبّر بقوله "شو جبرك على المرّ قله الأمر منه" وذلك لقبوله مُرغمًا بهذا العمل وهربًا من الوقوع في شِباك البطالة التي وصل معدلها 47% في قطاع غزة أو الانضمام لطابورٍ طويل من العاطلين عن العمل قُدّروا بـ 253 ألفًا، وفقًا لإحصاءات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.