بضائع المتاجر تحتلُ أرصفة المُشاة: لمن الضوء الأخضر؟

بضائع المتاجر تحتلُ أرصفة المُشاة: لمن الضوء الأخضر؟

خلال الأشهر الماضية، اشتكى العديد من المواطنين من ابتلاع بعض من أصحاب المحال التجارية لأرصفة المشاة والتجاوز عليها، كأنّها جزء من المكان المُستأجر أو المملوك للتاجر، في الوقت الذي يُعاقِب القانون على ذلك. وجاءت الشكاوى كتعليقات على منشورات بلدية غزة عبرّ صفحتها الرسمية على فيسبوك.

أحدهم يشتكي من استغلال الأرصفة من قِبَل معارض السيارات، أو أصحاب الشاحنات الكبيرة، وآخر يُبلِغ عن استغلال مطعم أو كوفي شوب لرصيف مُشاة بوضع طاولات وكراسي لزبائنه، فيما يشتكي ثالث من اضطراره للمشي على الأسفلت المُخَصَص للسيارات بسبب استحواذ محال الملابس لرصيف المُشاة؛ بهدف عرض بضائعهم.

لا يتوقف الأمر هنا، فقد شمِلت الشكاوى أصحاب المصالح المهنية من نجارين وحدادين وغيرهم، الذين عادةً ما تكون محالهم في شوارعٍ فرعية أو أحياءٍ سكنيّة، فيستغلون أرصفتها مُخلِّفين عليها بعض الشوائب الضارة، سواءً للمشاة أو حتى أصحاب المركبات المارة من المكان؛ مما يعود بالضرر البيئي والصحي على المواطنين.

أيضًا، تنتشر على أرصفة الأسواق المكتظة بالمواطنين العشرات من البسطات والتي تستغل مساحات الرصيف لعرض البضائع المتنوعة، وهو ما يَحرِم المشاة من حقهم في السير على الأماكن المُخصصة لهم وفق القوانين الفلسطينية بسلاسة وأمان.

الأسباب السابقة، كانت الدافع وراء تقديم مواطنين شكاوى واعتراضات سواء بالتعليقات على صفحة البلدية، أو من خلال الاتصال بشكلٍ مباشر لتقديم شكوى مُحددة؛ بهدف إزالة التعدّيات.

وينص البند (أ) في المادة (15) من قانون الهيئات المحلية الفلسطينية على مسؤولية الهيئات التي يتم تشكيلها من قبل وزارة الحكم المحلي، على إسناد مهام "تخطيط البلدة وفتح الشوارع وإلغاؤها وتعديلها وتعيين عرضها واستقامتها وتعبيدها وإنشاء أرصفتها وصيانتها وتنظيفها وإنارتها وتسميتها أو ترقيمها وترقيم بناياتها وتجميلها وتشجيرها ومنع التجاوز عليها ومراقبة ما يقع على الشوارع من الأراضي المكشوفة وتكليف أصحابها بإقامة الأسوار حولها" للهيئات المحلية -البلديات-.

في هذا الإطار، يقول حسين عودة الناطق باسم بلدية غزة، أنّ تنظيم الأرصفة والطرقات الموجودة كملك عام وليست للبائع الجائل ولا لأصحاب المحلات التي تُعيق حركة المشاة والعبور، هي من اختصاص البلدية، لكن وبرغم منع القانون للبسطات، إلا أنهم يتغاضون أحيانًا مراعاةً للأوضاع الاقتصادية، وفق شروط، مثل "ألا يكون الأمر من باب تملك المال العام، بمعنى ألا يأخذ التاجر أو بائع البسطة مكان ثابت كل يوم وكأنه مالك الملك" حسبَ ما قال.

وأشار عودة، إلى أنّ طواقم البلدية، تتابع بشكلٍ دوري يومي، خاصة في الأسواق والشوارع الرئيسية؛ بهدف فرض القانون وإزالة التعدّيات على الأرصفة، موضحًا أنّ العديد من الإشكاليات في هذا الإطار تمّ العمل على حلها خلال الفترات الماضية.

وقال: "المشكلة أنّ بعض المحال التجارية تلعب لعبة القط والفأر مع طواقم البلدية، حيثُ تعمل طواقم البلدية على إزالة التعدّيات، لكن وبعد مغادرتها المكان لمتابعة أماكن أخرى، يقوم بعض التجار بإرجاع البضائع على الأرصفة، لذلك اتجهنا للعقوبات الرادعة".

كانت البلدية في السابق تعمل على إخطار أصحاب المحلات المخالفين للقانون بتعدّياتهم على أرصفة المشاة عدة مرات متتالية، وفي حال عدم الاستجابة، يتم تحويل المشكلة إلى المحاكم، حيث تفرض عليهم مخالفات تتراوح قيمتها بين الـ 50 إلى 100 شيكل، إلا أنّ ذلك لم يُشكِّل رادعا، وفق البلدية.

ويقول الناطق باسمها: "بعضهم تعامل على أنّ دفع مخالفة مالية، بقيمة بسيطة، وكأنه دفع قيمة إيجار الرصيف، وهو تفكير خاطئ؛ لذلك كثفنا تحويل المخالفات الشهرية إلى المحاكم، على سبيل المثال، بدل أنْ تُوَجه للمخالف، مخالفة واحدة في الشهر، أصبحت ثلاثة مخالفات تُحول على ذات الشخص إلى المحاكم، بهدف تشكيل عقوبة رادعة في فترات زمنية متقاربة ومتكررة".

أما عن المخالفات التي يقوم بها مواطنون في الشوارع الفرعية والأحياء السكنية، يشير عودة إلى أن بلديته تُركِز على الشكاوى التي يتقدم بها مواطنون من تلك المناطق، والتي تستقبلها بشكلٍ مباشر على رقم الشكاوى المُخصص لاستقبالها.

وفق القوانين الفلسطينية، لا تعتبر وزارة الحكم المحلي، أو الهيئات المحلية، هي الجهة الوحيدة التي أسندت إليها مهمة متابعة أرصفة المشاة وضمان عدم استغلالها. هناك أيّضًا وزارة النقل والمواصلات مسؤولة عن ضمان عدم إعاقة حركة السير على أرصفة المُشاة كونها تركز عملها واختصاصها في الشوارع والأرصفة، إلى جانب شرطة المرور التي تعتبر الجهة التنفيذية المشرفة على ذلك.

وينص البند الثاني من المادة (249) ضمن اللائحة التنفيذية لقانون المرور رقم 5 لسنة 2000، على أنه "لا يجوز لأحد أن يتسبب في إعاقة لحركة سير المشاة على الرصيف".

إزاء ذلك، قال أنيس عرفات المتحدث باسم وزارة النقل والمواصلات بغزة، لـ"آخر قصة" إنّ دوريات السلامة المرورية التي تسيرها شرطة المرور بشكلٍ دوري يومي في شوارع المدينة، تعمل على متابعة المخالفات التي يقوم بها أصحاب معارض السيارات بشكلٍ خاص، خاصة من يتعمد منهم استغلال الأرصفة المُقابلة للمعرض من خلال عرضهم للمركبات على الأرصفة، وهو ما يُجبر المشاة السير على الأسفلت".

وأضاف عرفات: "نحن نختص باستغلال أصحاب معارض السيارات لأرصفة المشاة، فيما تتابع البلدية أصحاب المحال التجارية الآخرين، وأصحاب البسطات المُستَغِلين للأرصفة"، مؤكدًا على أنّ وزارته تتعامل بشدة مع مستغلي الأرصفة من أصحاب معارض السيارات، حيث أنّها تفرض مخالفات لكل من يخالف القانون والتعليمات الوزارية.

وأوضح أنّ شرطة المرور، كنوع من العقوبات الرادعة للمخالفين من أصحاب معارض السيارات، تقوم بحجز مركبات معروضة على الأرصفة، بهدف إجبار المخالف على دفع المخالفات، وعدم تكرار استغلالهم للرصيف، خاصة في المناطق التي يتواجد بها عدة معارض للسيارات، سواء الحديثة أو المستعمَلة.

وحول العلاقة بين الوزارة وشرطة المرور، قال "لا تعمل وزارة النقل والمواصلات بشكلٍ منفرد، كما لا تتحمل وحدها المسؤولية، نحن وشرطة المرور نقوم بدور المتابعة، ويقع على عاتق الشرطة الجزء الأكبر في عملية المتابعة على الأرض وتحرير المخالفات، لكن للأسف ما زال بعض أصحاب المعارض يستغلون الأرصفة المُخصصة للمشاة، المنصوص عليها في القانون".

وكانت وزارة النقل والمواصلات، اجتمعت مع نقابة أصحاب معارض السيارات خلال الأشهر الماضية، وعملت على تنفيذ جولات توعية مع شرطة المرور لغالبية أصحاب معارض السيارات.

وأشارَ مصدر في الوزارة -رفض الكشف عن اسمه- لـ"آخر قصة"، إلى اجتماع سيجمع وزارتي النقل والمواصلات، والحكم المحلي، بالإضافة إلى البلديات خلال الأيام المقبلة، لمناقشة عملية تأجير بعض الأرصفة لمحال تجارية وأصحاب مطاعم بشكلٍ يُخالف القانون. فيما ينتظر المواطنون قرارات أو إجراءات جديدة ملموسة على أرضِ الواقع تُغيّر من المشهد المشتكى منه.

وأدت الحوادث المرورية في قطاع غزة، وفقاً لإحصاءات صادرة عن إدارة المرور والنجدة في جهاز الشرطة، إلى وفاة 53 مواطناً خلال العام الماضي 2021. وأفادت الإحصائية أن 2461 حادثاً مرورياً وقع في محافظات القطاع الخمس خلال العام، وأدت إلى إصابة 1315 إصابة مختلفة.

غير أن هذه الإحصاءات لم تشير إلى احتمال أن يكون استغلال أرصفة المشاة سبباً من بين مجموعة الأسباب التي تقف خلف ازدياد نسبة الحوادث، ولكن من يدري!