غزة: الأطفال المرضى رهائن سطوة نظام التصاريح الاسرائيلية

40 % من الحالات تواجه ردود سلبية

غزة: الأطفال المرضى رهائن سطوة نظام التصاريح الاسرائيلية

 في ديسمبر 2021، اكتشفت عائلة القصاص إصابة طفلها محمد بـ "ورم سرطاني"، خلال إجراءه للفحوصات الطبية، وبعد إطلاع الأطباء في مستشفى الرنتيسي بقطاع غزة المخصص لمتابعة مرضى السرطان، تقرر منحه تحويلة طبية لعلاجه خارج القطاع الذي يعاني تردياً في الخدمات الصحية نتيجة الحصار.

سُمح للطفل محمد ذات العشر سنوات، بالخروج للعلاج في مستشفى المطلع بالقدس في يناير 2022، برفقه خالته كبيرة السن، حيث رفض الاحتلال الإسرائيلي السماح لوالدته بمرافقته، بعد رحلة علاجه الأولى والتي استغرقت 45 يومًا تلقى خلالها جرعات العلاج الكيماوي.

تقول الأم أمل (32 عامًا)، لـ آخر قصة "بعد رحلة علاج محمد الأولى، حاولت تقديم أوراقي كمرافق له فيما بعد، إلا أني لم أحصل على رد، وفي كل مرة يصلنا جواب الطلب تحت الدراسة والفحص.

مؤخرًا، تم تقديم أوراق الطفل للحصول على تصريح علاج، إلى جانب تقديم أوراق الأم والجدة، حتى تتمكن إحداهما من مرافقته، وبالفعل سمح الاحتلال لجدته بمرافقته، وهو يخضع حاليًا للعلاج في مستشفى المُطلع للمرة الثانية، بينما تجلس الأم مع أطفالها الآخرين في غزة، وتتابع في كل لحظة على الهاتف وضع طفلها البعيد عن حضنها.

تبكي الأم أثناء الحديث عن طفلها، وتقول "نفسي أكون مع محمد وأتابع معه علاجه، لكن للأسف ما قدرت أرافقه، وهيني قاعدة أغلب الوقت جنب التلفون حتى أضل على اتصال معهم"، موضحة أنّ جدته البالغة من العمر ستون عامًا، تبذل قصارى جهدها رغم كبر سنها وتعبها الجسدي، بالاعتناء بحفيدها المريض.

وتنص اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، على إلزام القوة القائمة بالاحتلال بتأمين الرعاية الصحية لسكان الأراضي المحتلة، فيما أكد العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المادة (12) منه على حق الإنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه.

أما اتفاقية الطفل الدولية أكدت في الفقرة (1) من المادة (24) "تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في التمتع بأعلى مستوى صحي يمكن بلوغه، وبحقه في مرافق علاج الأمراض وإعادة التأهيل الصحي. وتبذل الدول الأطراف قصارى جهدها لتضمن ألا يُحرم أيّ طفل من حقه في الحصول على خدمات الرعاية الصحية".

ما نصت عليه الاتفاقيات الدولية، والتي وقعت عليها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، لم تلتزم بتطبيق نصوصها على الفلسطينيين المرضى في قطاع غزة، لاسيما الأطفال منهم، وهو ما أدى إلى وفاة 4 أطفال مرضى منذ بداية العام الحالي 2022، بالإضافة إلى رجل مريض أيضًا، بحسب توثيقات مركز الميزان لحقوق الإنسان.

آخر تلك الوفيات، الطفل فاروق أبو النجا 6 أعوام، والذي فقد حياته في 25 أغسطس 2022، بعدما ماطل الاحتلال في منحه تصريح للمرور وتلقي العلاج في الداخل المحتل، نتيجة اكتشاف إصابته بـ "ضمور الخلايا العصبية" في الدماغ.

وبسبب عدم توفر العلاج اللازم للطفل فاروق في مستشفيات القطاع، حصل على تحويلة طبية خاصة للعلاج في مستشفى "هداسا عين كارم" في القدس، وحصل على موعد من المستشفى في يناير 2022، لكنّ طلبه لدى سلطات الاحتلال، بقي تحت الدراسة ولم يتمكن من السفر، كما حصل على موعد آخر من المستشفى، وحدثت تدخلات قانونية حقوقية لكنه لم يؤدي إلى أي نتيجة إيجابية مما أفقده حياته بسبب عدم حصوله على العلاج اللازم في الوقت المناسب.

وسبقه، الطفل محمد النواتي (16 عامًا)، كان مصاب بسرطان الدم، وفقد حياته في يناير الماضي، والطفل محمد الطويل (14 عامًا)، وكان مصاب بسرطان في الدماغ، فقد حياته في بداية مارس الماضي، كما فقدت الطفلة فاطمة المصري، والتي لم تتجاوز العامين من عمرها، حياتها في مارس الماضي، نتيجة معاناتها من ثقب في القلب ومماطلة الاحتلال في الموافقة على تصريح المرور للعلاج في الداخل المحتل.

في محاولة لمساعدة المرضى بسبب مماطلة الاحتلال، يعمل مركز الميزان لحقوق الإنسان في قطاع غزة ومراكز أخرى، على المتابعة مع الجهات الإسرائيلية ذات العلاقة في محاولة منهم لتذليل العقبات وتسهيل حصول المرضى على تصاريح المرور لتلقي العلاج.

الباحث القانوني في مركز الميزان يحيى محارب، قال إن المركز يتابع شهريًا ما يقارب من 80 إلى 90 حالة مرضية، من مختلف الفئات والأعمار، يعاني أصحابها من عدم الحصول على تصاريح مرور للعلاج أو بسبب عدم حصول المرافقين لهم لتصريح المرور.

وأضاف محارب "في بعض الحالات يكون هناك رد إيجابي من سلطات الاحتلال ولكن في الغالب تستمر المماطلة على الرغم من التوجه للنيابة والمحكمة الإسرائيلية"، منوهًا إلى أن المركز يتمكن من الحصول على رد إيجابي لـ 40% من الحالات الشهرية التي يعمل عليها، فيما ينتظر الآخرون لفترات أطول مما يعرض حياتهم للخطر.

ويتسبب التسويف في الرد من قبل الاحتلال الإسرائيلي، بتراجع الحالة الصحية للمرضى لاسيما الأطفال منهم، أثر عدم تلقيهم للعلاج اللازم والغير متوفر في مستشفيات قطاع غزة، إضافة إلى الآثار النفسية السلبية وانعكاسها على حالتهم الصحية نتيجة التلاعب في منح التصاريح، فمثلاً قد يمنح الاحتلال تصريح مرور لطفل مريض صغير في السن ويمنع مرافقه من المرور وهو ما يتسبب بعدم قدرة المريض على السفر لتلقي العلاج.

وأوضح الباحث القانوني محارب، أنّ المنع الإسرائيلي لبعض الحالات ينحصر ما بين المنع الأمني ويكون لأسباب أمنية، أو المنع الإداري ويكون لأسباب متعددة منها توفر العلاج في مستشفيات القطاع على سبيل المثال، وتابع "المشكلة الرئيسية والأكبر هي بالمماطلة في الردود على الحالات، بحجة أنّ الطلبات قيد الفحص وهي ما تحتاج لتدخلات قانونية أكبر".