الماء المُبرّد وسيلة الطفل "سعيد" للهروب من الفقر والحرب

الماء المُبرّد وسيلة الطفل "سعيد" للهروب من الفقر والحرب

"مي باردة، خود برد على حالك بهالشوب"، جملة نطقها الطفل علاء سعيد البالغ من العمر "11 عامًا"،عشرات المرات، أثناء تجوله بين جموع المواطنين والصحفيين في باحة مجمع الشفاء الطبي وسط مدينة غزة، خلال تغطية أحداث العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

سعيد الذي رفض ذكر اسمه الحقيقي، يسكن في مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين، والذي يعد البقعة الأعلى كثافة سكانية في القطاع، يرافقه شقيقيْه الأصغر منه سنًا، بهدف بيع مياه الشرب الباردة داخل المشفى وسط موجة حرّ شديدة يشهدها القطاع بالتزامن مع أجواء ميدانية ملتهبة.

يعمل والد الطفل كعامل في مجال البناء، مقابل يومية لا تتجاوز الـ 30 شيكل، وبسبب العدوان الإسرائيلي، هو متوقف عن عمله الآن. ويعمل أطفاله في العادة على المفترقات القريبة من المنزل، إلا أنه ونتيجة للوضع الحالي وجدوا في المستشفى المكان الأنسب للاسترزاق، بسبب تواجد صحفيين ومواطنين، على عكس الشوارع والمفترقات التي أضحت شبه خالية من المارة.

ووفق بيانات مركز الإحصاء الفلسطيني، فإن معدلات البطالة والفقر في غزة ارتفعت خلال 2021 إلى 89%، وهي النسبة الأعلى في الأراضي الفلسطينية، في وقت كانت معدلاتها قبل العدوان الإسرائيلي في مايو 2021 تصل إلى 75%.

يجول الطفل حاملاً بضع قارورات، كواحد من عدة أطفال آخرين يؤدون نفس المهمة، تجاوز عددهم الـ 20 طفلاً في مختلف أنحاء المستشفى، يسترقون السمع لأخبار الاعتداءات والقصف الإسرائيلي على منازل سكنية في مناطق متفرقة من القطاع، ويقول "لما بسمع في خبر قصف لبيت، بسأل الصحفيين إذا كان من بين المصابين أطفال".

بمجرد وصول الإسعافات أو السيارات التي تنقل ضحايا الهجمات الإسرائيلية، يهرع سعيد وأطفال آخرين لمشاهدة المصابين أو الشهداء. وأثناء الحديث معه وصل إحدى الإسعافات، تركنا وذهب، لشاهد طفلة مصابة محمولة بواسطة رجال الإسعاف، وكانت غارقة بدمائها.

أُدخلت الطفلة سريعًا لتلقي الإسعافات الأولية، أما بائع الماء، مشى قليلاً عابس الوجه ولمعت عيناه، سألناه ماذا شاهد، ليجيب "ايش بدهم من الأطفال (يقصد اسرائيل) والله احنا صغار وما ما بنأذيهم".

كان من المفترض أن يلهو "سعيد" وأطفال آخرين الآن في حديقة المنزل، أو متنزهًا على شاطئ البحر، أثناء العطلة الصيفية الحالية التي شارفت على الانتهاء، لكنهم وبسبب الظرف الاقتصادي اضطروا للعمل لمساعدة أبيهم في مصروف المنزل، على الرغم من حظر قانون الطفل الفلسطيني لتشغيل الأطفال.

وتنص المادة (43) من قانون الطفل الفلسطيني رقم (7) لسنة 2004، على أنه "يُحظر استغلال الأطفال في التسول كما يُمنع تشغيلهم في ظروف مخالفة للقانون أو تكليفهم بعمل من شأنه أن يُعيق تعليمهم أو يضر بسلامتهم أو بصحتهم البدنية أو النفسية".

ومن الواضح أن الأطفال الباعة لم يشعروا بالأمان بين ذويهم بفعل الضربات العسكرية الإسرائيلية المتتالية لليوم الثاني على التوالي، لكنهم لم يتمكنوا من ذلك، "نفسي أكون مع إمي وأبوي وخواتي، بس ولا منطقة آمنة بغزة، يمكن المستشفى هنا أأمن من البيت" يقول سعيد.

ويضيف "لما بسمع صوت انفجار، بدور على اخوتي، بشوف وينهم، بعدين بسأل وين مكان الإنفجار، بس بطمن إنه بعيد عن بيتنا، بخاف يصير اشي بالبيت". يبقى شعور الخوف مسيطرًا على الأطفال، وبخاصة أن ثلث الشهداء من الأطفال.

وبدأت طائرات الاحتلال الإسرائيلي بشن هجوم عسكري على قطاع غزة ظهر الجمعة الماضية -5 أغسطس-، على مناطق متفرقة بعدما اغتالت القيادي في سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي "تيسير الجعبري".

فيما أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية منتصف ليلة الأحد -7 أغسطس- عن ارتقاء 24 شهيدا من بينهم 6 أطفال، وإصابة 215 آخرين، من بينهم 96 طفل وطفلة.