تجلس السيدة الفلسطينية هيام محمد (44 عامًا) أمام غرفة العناية الفائقة في مجمع الشفاء الطبي غرب مدينة غزة، باكية ترقب بقلق الأنباء التي يوردها الأطباء حول حالة ابنها البالغ من العمر (19 عامًا)، العالق بين الحياة والموت على أجهزة التنفس التي تعمل هذه الفترة على مولدات الطاقة الكهربائية، في ظلّ انقطاع التيار الكهربائي لأكثر من عشرين ساعة يوميًا.
وقد أُجريت للشاب عدّة عمليات جراحية على إثر إصابته في الدماغ مباشرة متضررًا بقصفٍ إسرائيلي، وهو واحد من أصل (2200) جريح، أُصيبوا بجراحٍ مختلفة في العدوان الإسرائيلي الذي اندلع منذ صباح السابع من أكتوبر، وأدى إلى تدهور الظروف الصحيّة والإنسانية في القطاع.
تمسح المرأة دمعها بطرف غطاء رأسها وتقول وهي تنظر إلى السماء بعينين متورمتين، "لدي أمل كبير أن يتحسن ابني، لكن حياته متعلقة بالأجهزة وعملها، ماذا أفعل؟ لا حيلة بيدي، والأطباء هنا قدموا كل ما بأيديهم، لم يعد بوسعنا شيئًا لنفعله، ننتظر أيّة انفراجة حول إمدادات الوقود في أقرب وقت".
الكثير أيضًا في أقسام مستشفيات قطاع غزة يعانون ظروفًا مُشابهة، داخل العناية المكثفة، وغرف العمليات، وأقسام غسيل الكلى، والأورام كذلك، وغيرهم ممن هم بحاجة إلى متابعة طبية عبر العديد من الأجهزة كأجهزة الأشعة والأجهزة التشخصية الحساسة، والتي يشير الأطباء إلى أن احتمالية توقفهم تُنذر بآثار سلبية فادحة على حياة المرضى، وتُفاقِم من معاناتهم.
خارج المشافي، يعاني المئات من المواطنين نتيجة العجز الحاد في امدادات الكهرباء لاسيما أولئك الذين يعانون أمراضاً مزمنة. وقد توقفت إسرائيل عن تزويد القطاع بالمحروقات منذ صباح 7/ أكتوبر؛ مما يزيد من تعقيد الظروف الإنسانية في عدّة مجالات، أهمها وأكثرها حساسية هو القطاع الصحي، الذي يعاني من تحدٍّ كبير جرّاء شُح الوقود واستمرار قطع سلطات الاحتلال للتيار الكهربائي عن القطاع بشكلٍ كامل.
في الإطار، أكّدت شركة توزيع كهرباء غزة، أمس الأحد، أنّ جميع الخطوط والمغذيات من داخل الأخضر متعطلة بسبب الأوضاع الأمنية الراهنة، وأن الاعتماد الحالي للقطاع على محطة التوليد التي تنتج طاقة بواقع (60) ميجاوات، وبذلك أصبح جدول توزيع الكهرباء (4) ساعات وصل مقابل (20) قطع خلال اليوم الواحد.
على ضوء الأزمة الحاصلة، تفاقمت أزمة المواطن مسعود خليل "52 عاما"، الذي يعاني أزمة مزمنة في التنفس، تضطره للاعتماد على جهاز التنفس الاصطناعي المشغل بالكهرباء. ويقول مسعود ذو البنية النحيفة والجسد الهزيل، إنه كان يعتمد في تشغيل الجهاز خلال انقطاع الكهرباء على جهاز «يو بي أس»، غير أن انقطاع الكهرباء، قد أثر بشكل مباشر على شحن الطاقة وبالتالي توقف الجهاز عن العمل.
على أثر ذلك، أصبح خليل مضطراً للمبيت في المشفى التي تعاني عجزاً في امدادات الطاقة، ونقصاً في العلاجات بسبب الظروف الأمنية التي يعيشها القطاع، وليس بمقدوره دفع ثمن تعبئة أسطوانة الأكسجين اللازمة للتنفس.
وقال إنه بالكاد وجد سريراً شاغرا في المشفى الأندونيسي القريب من مكان سكنه والواقع شمال قطاع غزة، ولكنه لا يضمن أن يستمر في تلقي العلاج داخل المشفى إذا ما ازدادت الأوضاع سوءاً وتوقفت مولدات الطاقة التابعة لوزارة الصحة عن العمل.
ويستخدم الاحتلال الإسرائيلي المتحكم بمعابر قطاع غزة، أسلوب منع إدخال المحروقات عبر معبر كرم أبو سالم، كإجراء عقابي جماعي على كافة سكان القطاع بما فيهم المدنيين والمرضى، وهو ما يتنافى بشكلٍ صريح مع ما نصّت عليه اتفاقية جنيف الرابعة في المادة (33)، بشأن حماية المدنيين في وقت الحرب، على أنّه "لا يجوز معاقبة أي شخص محمي عن مخالفة لم يقترفها هو شخصيًّا. تحظر العقوبات الجماعية وبالمثل تدابير التهديد أو الإرهاب".
كما يُصيب انقطاع الكهرباء كافة مناحي الحياة بشللٍ يُعيق قدرة زهاء مليونين وأربعمئة ألف نسمة يقطنون قطاع غزة، على تسيير مهامهم اليومية، لا سيما في أوقات العدوان، إذ يؤدي إلى تعطل البنية التحتية التي تتضمن محطات معالجة المياه والصرف الصحي والتي تمس حياة الناس بشكلٍ مباشر.
يأتي ذلك، في ظلّ قيام الاحتلال بقطع إمدادات المياه الواردة عبر الشركة الإسرائيلية المغذية للقطاع؛ مما حرم بلديات المنطقة الوسطى 50% من احتياجات المياه اللازمة للمواطنين.
وأكد مختصون بيئيون على أن انقطاع التيار الكهربائي يتسبب في عدم توصيل مياه الصرف الصحي إلى أماكن معالجتها أو التخلص منها بعد المعالجة، ويؤدي إلى تعطيل مضخات المياه العادمة.
ويوجد في مدينة غزة التي تمثل مركز القطاع 8 محطات ضخ رئيسية وفرعية للصرف الصحي، تضخ المياه العادمة القادمة من المباني والمنشآت السكنية والتجارية عبر شبكات التصريف باتجاه محطة المعالجة في حي الشيخ عجلين جنوب غرب المدينة.
كما يؤثر وقف امدادات الطاقة أيضًا على استخراج المياه الجوفية من الآبار، ويعوّق تشغيل المعدّات اللازمة لضخ المياه من خلال الشبكة، ومنها إلى خزانات المياه على أسطح المنازل بسبب انخفاض الضغط، وهو أكثر ما يتخوف منه السكان في فترات العدوانات الإسرائيلية فإذا انعدمت سًبل توفر المياه يعني ذلك انعدام سُبل الحياة بشكلٍ أو بآخر.
أما فيما يتعلق بمياه الشرب فيتخوف مختصون من أن يتسبب انقطاع التيار الكهربائي بتوقف عمل محطات التحلّية المقدّر عددها بـ (97 محطة) في عموم محافظات قطاع غزة الخمس.
ومن ناحية أخرى، يؤدي نفاد الوقود وانقطاع الكهرباء إلى انقطاع التواصل، إذ تعتمد العديد من وسائل الاتصال الحديثة على الكهرباء كشبكات الهاتف المحمول والإنترنت والاتصالات السلكية واللاسلكية؛ الأمر الذي يزيد من صعوبة التنسيق والاستجابة في حالات الطوارئ.
وخلال الساعات الماضية، تعرض أكثر 13 خطًا رئيسيًا للفصل جرّاء القصف الإسرائيلي، وتدمر ما يزيد عن 4 محولات و12 من الأعمدة الكهربائية.
وبلا شك يتسبب في انعدام الإضاءة وهو ما يُشكّل تحديًا كبيرًا أمام الأسر خاصّة التي تتضمن أطفالا، إذ يزيد من سوء الضغط النفسي والتوتر عليهم وعلى والديهم، خاصة في ظلّ مخاطر استخدام بدائل الكهرباء في هذه الأوقات كالشموع مثلا، مما يجعل من الصعب القيام بالأنشطة اليومية في الظلام، وتحديدًا في فترات الليل التي تزداد فيها الضربات الإسرائيلية عادةً.
على مدار السنوات الماضية من أزمة انقطاع التيار الكهربائي التي بدأت عام 2006، وما زالت حتى اليوم، اضطرت العديد من الأسر إلى استهلاك الطاقة من المولدات الكهربائية البديلة، والبالغ عددهم 600 ألف مشترك، أيّ ثلث السكان، غير أنّ هذه المولدات أصبحت محدودة العمل أيضًا في ظلّ احتمالية نفاد الوقود في الأيام القليلة القادمة.
في ظلّ هذه الظروف، تنظر شركة توزيع كهرباء غزة، بخطورة بالغة لتدّاعيات تعطل الخطوط التي تقدر طاقتها ب (120) ميجاوات، حيث إن ذلك الأمر سيفاقم العبء والضغط على قطاع الكهرباء والطاقة، والتأثير على أغلب القطاعات الحيوية في غزة، ومن أبرزها قطاع الصحة والمياه والبيئة والصرف الصحي والخدمات العامة.
ووجهت الشركة نداء عاجلًا للمجتمع الدولي والمؤسسات الحقوقية للتدخل السريع والعاجل، في ظلّ وصول نسبة العجز الكهربائي إلى قرابة (80%)، مما يتطلب ضرورة وقف انهيار وشيك للقطاعات الحيوية ومفاقمة لسوء الوضع الإنساني في القطاع.
من جهته قال مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان عصام يونس، نطالب المجتمع الدولي باتخاذ إجراء فوري وعاجل لوقف الانتقام والهجوم الإسرائيلي ضد السكان المدنيين/ات والأعيان المدنية في قطاع غزة المحاصر، مشيرا إلى أن التصريحات الأخيرة للحكومة الإسرائيلية، تنذر بازدياد غير مسبوق من عمليات القتل، يتحمل المدنيون/ات العبء الأكبر منها.
وشدد يونس على ضرورة مساءلة إسرائيل على جرائمها، داعيا المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إلى تسريع التحقيق في الوضع في فلسطين بجميع الموارد والزيارات الميدانية والوفاء بالوعود التي قدمت في شهر ديسمبر 2022.
وقال: "إذا لم يتخذ المجتمع الدولي الإجراءات الضرورية لمحاسبة إسرائيل على الجرائم المرتكبة ضد الشعب الفلسطيني، فإن أعداد الضحايا من المدنيين/ات سيتزايد في ظل هذه الهجمة العسكرية وسيزيد معها التدمير في قطاع غزة"