ما قصة الحارس الإيراني لـ"ياسر عرفات" ؟

ما قصة الحارس الإيراني لـ"ياسر عرفات" ؟

يحلم الإيراني أبو هاشم شياسي الذي ترك بلده منذ زمن طويل ليصبح لاحقا الحارس الشخصي للزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وهو ينفث دخان سيجارته في فناء منزله في مدينة رفح في جنوب قطاع غزة، بالعودة إلى بلده ليموت فيها.

وقاسم محمد شياسي أو "أبوهاشم"، هو الإيراني الوحيد في قطاع غزة. لم يكن يتوقع يوما لدى مغادرته طهران قبل نحو أربعين عاما أن ينتهي به الأمر فقيرا وعالقا في رفح في القطاع المحاصر.

يبدو ضعيفا ومتعبا، وهو يجلس على الأرض في منزله، ويقول إنه يعاني من أمراض عدة. قبل أربعين عاما، غادر طهران للانضمام الى منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت، في خضم الحرب بين الفلسطينيين ومجموعات لبنانية.

ويروي "في بيروت، التقيت بأبو عمار (ياسر عرفات) (...) وصرت مرافقا له" ثم لنائبه خليل الوزير، أو "أبو جهاد" الذي اغتيل قبل ثلاثة عقود.

وعاد أبو هاشم مع عرفات إلى غزة لدى إعلان السلطة الفلسطينية في تموز/يوليو 1994، وعمل في وحدة هندسة المتفجرات في الأمن الوطني في جنوب القطاع وأقام في رفح. وكان تنقل مع منظمة التحرير قبل ذلك من لبنان الى العراق واليمن.

ويحتفظ شياسي بجواز سفره الإيراني ووثيقة سفر مصرية، وكلاهما منتهي الصلاحية. وتشير وثائق إيرانية يحملها الى أن عمره 78 عاما، بينما تقول الوثائق الفلسطينية أن عمره سبعون.

يبكي بشدة وهو يحتضن صور عرفات، ويضرب بكفيه على وجهه كلما تذكره، ويأسف لأنه لم يتمكن من مرافقته في زياراته الخارجية، لأنه لا يملك جواز سفر.

ويقول بلغة عربية مكسرة "عندما كنت مع أبو عمار كانت كل طلباتي تلبى، لكن لم يسمح لي بمغادرة القطاع عبر مصر أو إسرائيل".

ويشكو الرجل بطريقة غير مباشرة عدم حصوله على المساعدة سواء من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أو من رئيس حركة حماس إسماعيل هنية. فيضطر لطلب المساعدة كل يوم جمعة أمام المساجد.

ويصمت لبرهة ثم يشعل سيجارة أخرى، ويشير إلى زوجته المريضة والمقعدة ويقول "تحتاج الى علاج عاجل في الخارج".

وتزوج شياسي من ثلاث نساء، الأولى إيرانية وله منها أربعة أبناء يعيشون في طهران. أما الزوجتان الأخريان فهما فلسطينيتان من غزة، وله من إحداهن تسعة أولاد أصغرهم ريماس ذات الأعوام التسعة، في حين لم تنجب الزوجة الثانية.

خلال لقائه مع وكالة فرانس برس، يطلب فجأة من صهره علاء قائلا "هات الأمانة". فيحضر علاء صندوقا بلاستيكيا يخرج منه صورا له بملابس عسكرية، وواحدة يسلم فيها على عرفات، ويمسكه هذا الأخير بكتفيه.

وأصيب العسكري الإيراني بشظايا قذيفة إسرائيلية خلال مشاركته في القتال على حدود لبنان. ويشير الى أنه شارك أيضا في معارك مخيمي صبرا وشاتيلا في بيروت. لكنه يؤكد أنه لم يخض أي قتال داخل الأراضي الفلسطينية.

وهو يعتبر أن اتفاقية أوسلو التي وقعت في 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل "لم تجلب السلام" المنشود. ويستذكر الرجل الفترة "الذهبية" التي أمضاها مع أبو عمار، قائلا "نحن في زمن الإذلال، خسرت كل شيء".

ويشير إلى منزله المكون من طبقتين والذي تسكن فيه زوجتاه وأطفاله، موضحا أن "مؤسسة الشهيد" ساعدته في بناء المنزل. وتتلقى المؤسسة تمويلا من مؤسسة إيرانية تحمل الاسم نفسه، وفق مسؤول فيها.

ويتقاضى شياسي راتبا تقاعديا قدره 1500 شيقل (حوالى 400 دولار). لكنه يقول "هذا ظلم، المبلغ لا يكفي لإعالة أسرتي، أطفالي توقفوا عن الدراسة بسبب قلة ما في اليد".

ويضيف "أنا مجنون لأنني بقيت هنا، أسرتي تعاني الفقر والجوع". وولدت منى شياسي، ابنة أبو هاشم، في غزة قبل 24 عاما، وهي تعيش مع زوجها الفلسطيني علاء عودة الذي يكبرها بعشر سنوات، في بيت من بين عشرات بيوت الصفيح في منطقة عشوائية يطلق عليها نهر البارد قرب مكب للنفايات غرب خان يونس.

وتحلم منى ذات العيون الخضراء الواسعة بالعيش في إيران. وتقول إنها تواصلت مرات عدة عبر موقع "فيسبوك" مع أشقائها في إيران الذين "يحلمون بزيارة فلسطين".

وتضيف الفتاة التي لم تتعلم الفارسية "وضعي المالي صعب جدا، طلبت من أخوتي مساعدتي ماليا، لكنهم لا يستطيعون إرسال تحويلات (مالية) من إيران الى غزة".

ويقول زوجها (33 عاما) إنه سيرافقها إلى إيران في حال سُمح لها بالذهاب. وتعاني إيران التي تواجه عقوبات دولية، من أوضاع اقتصادية صعبة.

لكن علاء يرى أنه "أيا كانت الحياة هناك فهي أفضل من العيش في غزة"، القطاع ذي الكثافة السكانية العالية والذي يعاني من بطالة وفقر، وهو محاصر من إسرائيل منذ 2007 بعد تفرد حركة حماس بالسيطرة عليه.

في زاوية عند مدخل المنزل، يقول علي شياسي (12عاما) بينما يداعب قطته "ليزا"، "أنا لا أذهب للمدرسة لأن أبي لا يملك المال". ويضيف بفخر "أبي إيراني، أنا فلسطيني، لكن أريد العيش في بلدي إيران".

ولا يحصل شياسي على معونات غذائية من وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، باعتباره أجنبيا.

في الصندوق البلاستيكي، يوجد أيضا كفن أبيض وإبريق ومستلزمات تجهيز الميت، يقلبها أبو هاشم وهو يغني بالفارسية أغنية تقليدية للموت. ثم يقول بغضب "أريد العودة الآن إلى بلدي، أريد أن أموت في إيران وليس هنا، لو عاد بي الزمن ما ترددت في رفض المجئ إلى غزة". ثم يضيف "حلمي أن أموت في طهران".

وكالة الصحافة الفرنسية (أ ف ب)